تملكتنى الدهشة والحيرة حين قرأت مقال النائب البرلمانى السابق الأستاذ أبوالعز الحريرى المنشور فى جريدة «اليوم السابع» فى عددها الأسبوعى الصادر بتاريخ 12 مايو 2009 (وفى موقعها الإلكترونى بتاريخ 14 مايو 2009) تحت عنوان «مطلوب قرار جمهورى بإلغاء المصرف العربى الدولى» 1، وسبب دهشتى أن المقال يفتقر إلى الدقة والموضوعية وينطوى على الكثير من المعلومات غير الصحيحة، وما كنت قد تعودت على هذا من نائبنا السابق الذى أكن له كل محبة وتقدير. فى المقال المذكور يطلب الأستاذ أبوالعز الحريرى من رئيس الجمهورية إلغاء المصرف العربى الدولى، ويبرر لذلك بالأسباب الآتية:
إن الأساس الذى بنى عليه »المصرف العربى الدولى« يتناقض مع الشفافية لأن المجتمع الدولى ألغى الحسابات السرية، ويجرم غسيل الأموال، بينما أموال ومعاملات المصرف لا تخضع لرقابة الجهاز المصرفى المصرى، بما يجعله بنكا خارج كل أشكال الرقابة الوطنية.
أن «المصرف العربى الدولى» يتمتع بشخصية قانونية كاملة تمكنه من عقد اتفاقيات مع الدول الأعضاء والمساهمين والمؤسسات الدولية الأخرى، رغم أن الاتفاقيات يعقدها رئيس الجمهورية ويصدق عليها مجلس الشعب.
إنه لا يجوز اتخاذ إجراءات الحجز القضائى أو الإدارى على أموال المصرف قبل صدور حكم نهائى، وبنص كلام الأستاذ أبوالعز «وطبعا إلى أن يصدر حكم نهائى يكون كل شىء قد تبدد أو تم التصرف فيه»، كما أن المصرف غير خاضع للتحكيم الدولى فكيف تسوى خصوماته ومصر تمتلك حوالى 80 % من رأسماله.
عدم خضوع المصرف وفروعه وتوكيلاته لقوانين وقواعد الرقابة والتفتيش القضائى أو الإدارى داخل بلد العضو، وذلك يعنى أن أرض المصرف محرمة على الدولة. إن حسابات المودعين التى قد توجد فى بلد «العضو» سرية ولا يجوز الاطلاع عليها، كما تمنح كل دولة من الدول الأعضاء مراسلات المصرف الرسمية نفس المعاملة التى تمنحها للمراسلات الرسمية للدول الأخرى من الأعضاء.
يتمتع جميع موظفى المصرف بحصانة ضد الإجراءات القانونية فيما يتعلق بالأعمال التى يقومون بها بصفتهم الرسمية. وقبل التعليق على هذه النقاط يهمنى أن أوضح أن مبعث دهشتى من مقال نائبنا السابق الذى كان يبهرنا بأدائه البرلمانى الحصيف والمنضبط أن كلامه فى هذا الموضوع قد افتقر للدقة العلمية والموضوعية الواجبة.
الواقع أننا جميعا يمينا ويسارا، فى الحكومة أو فى المعارضة، نحلم بالوحدة العربية وندرك مدى أهميتها وضرورتها، وكما بدأت الجامعة العربية حلما قبل أن تصبح كيانا عربيا قائما وملموسا فقد ولدت فكرة تأسيس »المصرف العربى الدولى« فى عام 1974 التاريخ الذى ارتبط عند الشعوب العربية بنجاح وحدة الصف العربى فى هزيمة دولة العدو الصهيونى بيد القوات المسلحة المصرية الباسلة، وعبر استخدام سلاح البترول من قبل الدول النفطية.
ففى خضم مشاعر الوحدة والنصر التى سادت البلاد العربية فى تلك اللحظة التاريخية المجيدة، وقعت الحكومات العربية فى كل من مصر وليبيا وسلطنة عمان، ثم انضمت لهم قطر والإمارات على اتفاقية تأسيس »المصرف العربى الدولى للتجارة الخارجية والتنمية« وكما جاء بنص الاتفاقية كان ذلك أملا ورغبة فى:
بناء الاقتصاد العربى على أساس متين يسمح بتلبية متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى البلاد العربية.
تحقيق حرية انتقال الأموال العربية وإرشادها إلى أحسن الاستثمارات وأفضلها مع تقديم الخدمات والتسهيلات إليها.
تجميع الموارد المالية العربية بطريقة علمية رشيدة للإسهام فى تنمية الموارد الإنتاجية لجميع الدول العربية.
تشجيع توظيف الأموال العامة والخاصة بما يكفل تطوير وتنمية الاقتصاد والتجارة العربية عن طريق الإسهام فى تمويل المشروعات الاقتصادية والتجارية العربية.
وإيمانا من الدول العربية المذكورة أعلاه بأن تنفيذ ذلك لا يكون إلا عن طريق مصرف يتولى تنفيذ هذه الأهداف بطريقة اقتصادية ومصرفية سليمة فقد اتفقت الحكومات العربية فى تلك الدول على أن تنشئ بمقتضى الاتفاقية الدولية الموقعة بينهم ووفقا للنظام المرافق لها «المصرف العربى الدولى للتجارة الخارجية والتنمية».
إذا فنحن بصدد كيان قانونى دولى قائم بذاته ومستقل عن الدول الأعضاء المكونة له، لذا ووفقا لأحكام القانون الدولى لا تجوز مطالبة رئيس دولة من الدول الأعضاء به بإلغائه بالإرادة المنفردة قبل حلول أجل انقضائه فى الاتفاقية الدولية المنشئة له هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الحرص على نهضة وتكامل الاقتصاد العربى يدفع بالمطالبة بإنشاء المزيد من مثل هذه التكتلات المالية العربية وعلى زيادة تواجدها فى الدول العربية سعيا إلى تحقيق صورة من صور الوحدة العربية اقتصاديا وتنمويا طالما فشلنا فى تحقيقها سياسيا واستراتيجيا.
لهذا فإن دهشتى كبيرة من المطالبة غير الجائزة قانونا بإلغاء المصرف العربى الدولى! بدلا من المطالبة بتفعيل وتعزيز دوره الحقيقى وبتطويره وفقا لمتغيرات السوق العربية وبما يسمح بتقديم الاستثمارات للدول العربية الأشد فقرا وأن تأتى هذه المطالبة من الأستاذ أبوالعز الحريرى بالذات.
لعل ما سبق ذكره يوضح الطبيعة القانونية للمصرف العربى الدولى ككيان قانونى مستقل عن الدول المنشئة له ويرد بالتالى على ما جاء بالنقاط 2 و4 و5 و6 المشار إليها سلفا، أما فيما تضمنه مقال الأستاذ أبو العز الحريرى بأن أموال ومعاملات المصرف لا تخضع لرقابة الجهاز المصرفى المصرى بما يجعله بنكا خارج كل أشكال الرقابة الوطنية، فهو أمر غير صحيح على الإطلاق حيث أن حصة مصر فى المصرف العربى الدولى تدار بواسطة نائب محافظ البنك المركزى، كما يلتزم المصرف فى مصر بلد المقر بالتعليمات الرقابية والمنظمة للعمل الصادرة عن البنك المركزى المصرى فى جميع العمليات المصرفية، والمصرف العربى الدولى من أوائل البنوك التى أنشأت وحدة للالتزام بهدف الرقابة على حركة الإيداعات والتحويلات من وإلى الخارج والتى تخضع لضوابط رقابية شديدة على عكس ما ورد بالمقال.
وأما عن عدم جواز اتخاذ إجراءات الحجز القضائى أو الإدارى على أموال المصرف قبل صدور حكم نهائى فهذا أمر طبيعى يسرى على جميع المؤسسات ولا ينفرد به المصرف العربى الدولى، والإشارة إلى أنه لحين صدور الحكم النهائى «يكون كل شىء قد تبدد أو تم التصرف فيه»، فهو على ما أظن اتهام بلا سند يرمى بغير دليل يؤيده ولا وقائع تدعمه.
أخيرا، أقول إننا فى أمس الحاجة لإنشاء العديد من التكتلات الاقتصادية والمالية العربية التى تشجع الاستثمار العربى فى بلادنا بدلا من اللجوء إلى أمريكا والغرب، ورغم إننى لست مختص بذكر دور المصرف فى هذا الشأن ولكن على سبيل المثال يكفى دوره فى مشروع كهرباء اليمن، لذا فمن المهم أن ندعم مثل هذه الأنشطة للمصرف العربى الدولى وأن نعمل على تطويره وتعزيز دوره وإزالة ما يعترى ذلك من معوقات، حقيقة هو أمر هام وحيوى لمصر وللعرب أن نعمل على تأسيس العديد من الكيانات المماثلة للمصرف والتى تعزز حلم الاتحاد العربى الحقيقى فى مجاله الحيوى لما فى ذلك من مصلحة محققة لشعوبنا العربية.
أعلم أن هذه الكلمات قد يستغربها منى البعض وقد تغضب منى البعض فى داخل المصرف أو فى خارجه لكنها الأمانة المهنية التى أوجبت علىّ ضرورة التوضيح واستظهار الحقائق، وتحية لكل من ساهم فى تأسيس المصرف العربى الدولى وكل كيان عربى يماثله فى الهدف وفى العمل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة