الفصل التشريعى الرابع، ربما يعد الأسوأ خلال الدورة البرلمانية 2005/2010 ليس بسبب ضعف الأجندة التشريعية التى تقدمت بها الحكومة، ولكن لغياب دور المعارضة فى القضايا التى تشغل المواطن المصرى.. مضابط الجلسات البرلمانية هى المرآة العاكسة لحالة عديد من النواب، يتحدثون ولا يفعلون، وشتان الفارق بين المواجهات التى قادتها المعارضة مع بداية دورة البرلمان للكشف عن مواطن الفساد داخل قطاعات التعليم والإسكان والصحة لدرجة أحرجت الحكومة، وجعلت نواب الأغلبية ينتبهون لخطورة هذه الجبهة والتى لا يزيد عدد نوابها على 120 نائبا، وبين ما يحدث الآن، فالتنظيم بين صفوف المعارضة والإخوان المسلمين والمستقلين فى بادئ الأمر، جعل الدكتور فتحى سرور يلغى نظام الجلسات المسائية ليجبر نواب الأغلبية على الحضور وعدم التزويغ، حتى تحولت الأمور بعدها إلى صراعات داخلية بهدف امتطاء جواد البطل بين وسائل الإعلام أولا وأمام الحكومة ونواب الأغلبية..
وبين هذا وذاك تاهت قضايا الجماهير ومطالبهم أمام رؤية الذات، فتفرغ البعض من النواب للتعبير عن قضايا سياسية خارجية خدمت مصالحهم، فيما التزم البعض الآخر بأجندة غير محددة الملامح تتحرك تبعا للظروف ومقتضيات الأمر، يتضح ذلك بين أحزاب المعارضة.. حتى نواب كتلة الإخوان المسلمين والبالغ عددهم 86 عضوا تاه منهم الهدف، بمنطق تفرق الدم بين القبائل، ونجح نواب الأغلبية الذين ظهروا أكثر التزاما من الناحية الحزبية فى اللعب على هذا الخيط، وبرهن على ذلك تقدم عديد من نواب الحزب الوطنى بطلبات إحاطة واقتراحات مشروعات قوانين لخدمة المجتمع المصرى, فتبنى النائب محمد خليل قويطة ملف تعديل قانون الأحوال الشخصية، فيما أدخل النائب المخضرم كمال الشاذلى تعديلا مهما على قانون المرور لحظر تسيير المقطورات نظرا لخطورة سيرها على الطرق السريعة، وكذلك النائب جمال الزينى الذى كشف عن حافظة مستندات تفيد بدخول أغذية فاسدة إلى البلاد، فى هذا الوقت كانت المعارضة تحت قبة البرلمان مشغولة بجمع قصاصات الصحف وبعض المعلومات غير الموثقة لتقديم استجوابات ضعيفة، نجحت الأغلبية الميكانيكية فى إسقاطها، حتى إن مضابط الجلسات كشفت عن سرعة سير العديد من الجلسات البرلمانية التى خصصت لمناقشة الاستجوابات والانتقال إلى جدول الأعمال، رغم أن الاستجوابات الأخيرة التى ناقشها المجلس حول فشل مشروعات التنمية فى شرق العوينات وسيناء نالت استياء واضحا من نواب الأغلبية، حتى إن بعض نواب الحزب الوطنى من أصحاب الكعب العالى علق ضاحكا بين زملائه وقال «الله يرحم أيام ممتاز نصار والاستجوابات التى كانت تدين الحكومة».
ويقول النائب حيدر بغدادى: كل استجوابات المعارضة تحولت إلى حبر على ورق, لافتا إلى أن مقدمى الاستجوابات لم يتقدموا بمستندات تدل على صدق كلامهم، وهو ما أدى إلى ذهاب هذه الاستجوابات أدراج الرياح، ويؤكد أن عددا كبيرا من نواب الإخوان كانوا الأكثر تقدما باستجوابات فاشلة، فيما التزم البعض الآخر من نواب المعارضة الصمت ولم يتقدموا بشىء، واصفا ذلك بأنه الدليل الأمثل على براءة الأغلبية من تهمة إسقاط الاستجوابات.
ويختلف مع بغدادى النائب الإخوانى محسن راضى الذى أكد أن نواب الحزب الوطنى لا يعملون لخدمة الشعب المصرى، ولكن لخدمة الحكومة والنظام.. الغريب أن غالبية الاستجوابات التى قدمت عن التعليم أو المشروعات التنموية أو عن الغذاء لم تؤثر فى قطاع عريض داخل الشارع، مثلما أثرت القضية الأخيرة التى فجرها النائب المستقل مصطفى بكرى حول تناول المصريين أطعمة مغشوشة وفاسدة، وكارثة شحنة القمح الروسى الفاسد والتى تباشر النيابة العامة التحقيق فيها، صحيح أن النبرة الصوتية التى يستخدمها النائب مصطفى بكرى هى أكثر الأدوات ارتباطا مع الجماهير.. إلا أن حجم الكارثة التى كشفها بكرى كان الأكثر مصداقية فى وقت غابت فيه المعارضة عن تقديم أسانيد مماثلة كان يمكن بها إحكام الخناق على الحكومة لتقديم استقالتها أو تصحيح موقفها على الأقل داخل الشارع. لكن ما حدث لم يضف شيئا، حتى إن وسائل الإعلام ظلت تراقب عن كثب ما الذى ستضيفه المعارضة فى هذه القضية المهمة.. إلا أن شيئا لم يحدث.
الغريب أن حالة العصيان والتشتت ظهرت بين صفوف المعارضة وتجلى وضوحها عقب إثارة النائب المستقل علاء عبدالمنعم ملف تقارير محكمة النقض، فبينما أراد «علاء» الكشف عن بطلان عضوية بعض نواب الحزب الوطنى.. لكنه أشعل الضيق فى نفوس زملائه من المعارضة والإخوان نتيجة تعرضهم إلى نفس الأزمة التى يتعرض لها زملاؤهم فى صفوف الوطنى، وهو ما جعل البعض يتحفظ فى الجلوس أو الحديث مع النائب علاء عبدالمنعم.. إذا أردنا إضافة مصطلح جديد فى الأجندة البرلمانية الحالية، فسيكون نائبا واحدا لكل ملف.. وأغلبية الملفات لا تعلن عن تبنيها رؤية واضحة للمشكلات التى يواجهها الشباب المصرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة