هاجم سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية النظام المصرى، مجدداً تأكيده أن زيارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما للقاهرة "اختيار خاطئ". وقال فى حوار لصحيفة "بوسطن جلوب" الأمريكية، نشر اليوم الأربعاء، إن أوباما لابد من أن يضع حلاً للقضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن الرؤساء والملوك العرب يتخذون من القضية الفلسطينية ذريعة للاستمرار فى فرض سلطتهم الديكتاتورية على الشعوب، كما كشف كثيراً من التفاصيل، وفيما يلى نص الحوار:
بوسطن جلوب: أسقطت محكمة الاستئناف الاتهامات الموجهة إليك، هل تعتقد أن الحكومة المصرية كانت وراء ذلك؟
سعد الدين إبراهيم: أنا لست متأكداً، ففى مصر جميع قضاة المحاكم يتم تعيينهم عن طريق الحكومة، لذا فهو يعملون تحت مظلتها، وعلى الرغم من ذلك، يتميز قضاة محاكم الاستئناف بكونهم أكثر استقلالية.
جلوب: هل يمكنك العودة إلى مصر بأمان؟
إبراهيم: مازالت هناك بعض الاتهامات المعلقة ضدى، وأنا فى انتظار معرفة ما إذا كان النائب العام سيسقطهم أم لا.
جلوب: الرئيس أوباما سيوجه خطابه إلى العالم الإسلامى يوم الخميس المقبل من مصر، هل أنت سعيد بهذه الزيارة.. أم تعتقد أنها ستكون فى نهاية المطاف سبباً آخر لتعزيز نظام مصر القمعى؟
إبراهيم: قلت فى ديسمبر الماضى فى مقال إن الذهاب إلى العالم الإسلامى فكرة ممتازة، ولكن على الرغم من ذلك، أوباما لا يجب أن يوجه خطابه من عاصمة دولة استبدادية. ولقد رشحت للرئيس الأمريكى زيارة عاصمتين إسلاميتين ديمقراطيتين بدلاً من مصر، أحداهما أنقرة، والأخرى جاكرتا، وبالفعل قام الرئيس الأمريكى بزيارة تركيا، ولكن عندما أعلن البيت الأبيض أنه سيوجه رسالته من مصر.. وقالت وسائل الإعلام المصرية إن "أوباما لم يستمع إلى سعد الدين إبراهيم، وجاء إلى مصر لمخاطبة العالم الإسلامى".
جلوب: هل أنت محبط؟
إبراهيم: لا، لأنى أعرف لماذا سيذهب أوباما لمصر، فالسبب الرئيسى هو إعلان سياسته المتعلقة بالشرق الأوسط، فهو يعرف أنه يجب أن يفعل شيئاً حيال القضية الفلسطينية قبل أن يحشد الرأى العام المسلم لمعالجة الخطر النووى الإيرانى.
بغض النظر عن الغرض الرئيسى من الزيارة، هل يتعين على أوباما أن يتطرق إلى قضايا الحريات وحقوق الإنسان؟
إبراهيم: نعم، فعندما يتحدث أوباما عن القضية الفلسطينية، فهو حتماً سيساعد بذلك قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك لأن حكام الدول الاستبدادية يستخدمون فلسطين كعذر لتأجيل الإصلاح الديمقراطى، وكأن لسان حالهم يقول "نحن مشغولون بقضية أكبر من الديمقراطية، فأيدينا منغمسة فى التوصل إلى حل للأوضاع فى فلسطين".
جلوب: هل تتفق مع هؤلاء الذين يقولون إن ما يريده القادة العرب هو استمرار النضال الفلسطينى وليس إقامة دولة فلسطينية؟
إبراهيم: نعم، فهناك مصالح خاصة تتراءى للحكومات العربية من استمرار الصراع الفلسطينى. وإذا كان هذا الخطاب سيدفع عملية السلام قدماً، فينبغى أن يكون خطوة أساسية لتطبيق ديمقراطية حقيقية تنعم بها الشعوب العربية. السلام سيقضى على العذر الذى تستخدمه الأنظمة العربية لتبرير قبضتهم الحديدية على السلطة.
جلوب: هل ترى أى من حكام الشرق الأوسط اليوم من لديه البصيرة الكافية التى تؤهله لأن يكون صانعا سلام؟
إبراهيم: حتى الآن لا، فاليوم لم يعد السادات موجوداً أو رابين أو بيجين.
جلوب: فى اعتقادك إذا عاد السادات ورأى ما حدث فى الشرق الأوسط خلال الثلاثين عاما الماضية، ماذا كان سيعتقد؟
إبراهيم: السادات كان الشخص الذى حذرنى.
جلوب: حذرك من ماذا؟
إبراهيم: من أن الأنظمة العربية تستفيد من استمرار الصراعات، ولقد دعانى إلى قصره الرئاسى عام 1981 قبل خمسة أسابيع من اغتياله.
جلوب: ما هى الصلة التى كانت تربطك بالسادات؟
إبراهيم: لا علاقة على الإطلاق، فأنا كنت أستاذاً فى الجامعة الأمريكية فى القاهرة، وتلقيت اتصالاً هاتفياً، وكان هذا يوم الخميس، من أحد مساعديه، الذى قال لى "الرئيس يريد أن يراك يوم السبت"، فقلت له "لماذا"، فكان الرد "لا أعرف".
جلوب: وبعدها ماذا حدث؟
إبراهيم: ذهبت إليه وتحدثنا وقال لى السادات "أنا أعرف أنك تكرهنا".. صعقت عندما سمعت ذلك، وقلت "سيدى الرئيس، ولماذا أكرهكم، أنا فقط لا أتفق مع بعض من سياساتكم". كان هذا عقب الهجمات الإسرائيلية على المفاعل النووى العراقى، وكنت قبلها قد كتبت أن السادات قابل بيجين قبل ثلاثة أيام من وقوع الهجوم، وكانت هناك العديد من الأسئلة التى تركت دون إجابة.
جلوب: هناك تساؤلات حول عما إذا كان السادات يعرف بشأن الهجوم؟
إبراهيم: بالضبط. فإذا كان يعرف، فهذا بالطبع كان سينظر إليه على اعتبار أنه تواطؤ مع إسرائيل ضد دولة عربية، وحينها كان العالم العربى بكامله مقاطعاً لمصر، بسبب معاهدة السلام التى صدق عليها السادات مع إسرائيل، وبعدها قال لى السادات، "هل تعتقد أن أى من هؤلاء الرجال يريد أن ينهى الصراع العربى- الإسرائيلى؟".
جلوب: من هم هؤلاء الرجال؟
إبراهيم: الحكام العرب الآخرون، وأكد لى أن "هؤلاء الرجال لا يرغبون فى حل أى شئ، فهم يرغبون فى استمرار الصراع لأن هذا ما سيبرر استمرارهم على كرسى الرئاسة. ولقد استخدم حينها تعبيراً عربياً ليقول "أقطع ذراعى إذا تمكن أى منهم من التوصل إلى سلام خلال عشرة أعوام من الآن".
جلوب: الولايات المتحدة تمنح مصر ما يقرب من 2 مليار دولار سنوياً فى صورة معونة عسكرية، هل تعتقد أن هذه الأموال يجب أن تخصص للإصلاح الديمقراطى؟
إبراهيم: نعم، فالأمريكيون يؤيدون نظاماً استبدادياً منذ 28 عاماً. حكومة مبارك ستتغنى قائلة، "نعم نحن نؤيد الإصلاح، ولكنه سيستغرق وقتاً". تستغرق وقتاً أكثر من 28 عاماً؟ إذا لماذا استطاعت أوروبا الشرقية أن تطبق نظاما ديمقراطيا خلال الـ28 عاما نفسها.
جلوب: عندما تحث واشنطن على تقديم المعونة الأمريكية فقط فى حال تم الالتزام بالإصلاح الديمقراطى وحقوق الإنسان، ما هو ردها؟
إبراهيم: يعتمدون على حجتين، فهم يقولون إن المعونة لا تمثل سوى جزءاً ضئيلاً من الناتج القومى الإجمالى لمصر، لذا فالأمر لن ينجح. ووزارة الخارجية الأمريكية لا تريد بلبلة الوضع الراهن. أما عن الحجة الثانية، فتقول إن الحث على تطبيق الديمقراطية يعنى أن جماعة الإخوان المسلمين ستكون مخولة لاستلام مقاليد السلطة.
جلوب: هل ترى هذه الحجة عادلة؟
إبراهيم: بالطبع لا، وعلى الرغم من ذلك، فإن الرئيس مبارك يصر على أنه ضد التطرف، وليس فقط داخل مصر، وإنما فى المنطقة بأسرها. وأنا أرى أن جماعات مثل القاعدة وحماس وبن لادن، ما كانت لتظهر لولا وجود التطرف وانتشاره، فهذه المنظمات تتغذى على الفساد والاستبدادية. ففى مصر مثلاً، حصلت جماعة الإخوان المسلمين فى أول جولة انتخابية بعد اعتلاء مبارك لكرسى الرئاسة، على نسبة تصويت 2%، بينما حصلت الجماعة نفسها، بعد مضى 21 عاما، فى انتخابات عام 2005 على 20%. وبالطبع كان فساد النظام وانعدام كفاءته السبب الرئيسى فى ذلك. وهكذا استطاعت حماس الفوز، عن طريق كشف النقاب عن فساد وعدم كفاءة منظمة التحرير الفلسطينية.
جلوب: ما هى أفضل طريقة لمواجهة التشدد الإسلامى اليوم فى اعتقادك؟
إبراهيم: نحن نحتاج أربع سنوات ننتقل فيهم إلى الأمام ونصبح قادرين على خلق مساحة تستطيع من خلالها المنظمات الديمقراطية والليبرالية المحاربة بحرية، ونحن فى أمس الحاجة إلى وسائل إعلام حرة، وأحزاب سياسية، ومجتمع مدنى متحضر.
جلوب: وماذا بعد الأربع سنوات؟
إبراهيم: إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
سعد الدين إبراهيم يجدد هجومه على النظام فى حوار لـ"بوسطن جلوب" الأمريكية
الأربعاء، 03 يونيو 2009 08:31 م