إيران دولة مستقلة فعلياً .. غير تابعة.. تملك مقدراتها.. ذات قرار سياسى مستقل، وقد أصبح واضحاً فى السنوات الأخيرة أنها تتقدم بصورة منتظمة على كافة الأصعدة.. ديمقراطياً وسياسياً وعلمياً وعسكرياً، وهى على وشك مغادرة معسكر الدول النامية أو النايمة أو المتخلفة لتلحق بجماعة الدول المتقدمة.
فهى متقدمة ديمقراطياً بدليل تعاقب خمسة رؤساء على منصب رئيس الجمهورية منذ قيام الجمهورية الإسلامية قبل ثلاثين عاماً، أى بمتوسط ستة سنوات لكل رئيس.. فى انتخابات نزيهة معلنة، بدليل أن الذين يحتجون عليها الآن هم أنفسهم الذين سبق أن أوصلتهم نفس الانتخابات إلى الحكم، وعلى خلاف ما فعلوا، احترم منافسيهم نتيجتها ولم يطلبوا من مؤيديهم الخروج إلى الشارع.
وأيضاً هى متقدمة، بل ومتفوقة ديمقراطياً بدليل أن رئيسها مازال يسكن بيتاً من عدة حجرات أمامه حديقة لا تزيد عن عشرة أمتار.. وكان يقيم قبلها فى شقة من حجرتين عندما كان محافظاً للعاصمة، وهو ما يفتقر إليه جل حكام المنطقة.
وإيران متقدمة سياسياً بدليل عدم تبعيتها لأية قوة خارجية.. ومركزها المميز الفاعل فى منطقة الشرق الأوسط.. وتبنيها لنهج الممانعة العربية.. ودعمها للمقاومة اللبنانية.. وحضورها البارز فى فلسطين.
وإيران متقدمة علمياً بدليل برنامجها النووى الطموح، الذى مكنها من كسر احتكار إسرائيل للتكنولوجيا النووية وتشغيل دورة الوقود النووى كاملة وإنتاج اليورانيوم المخصب، مما يمكنها من الاستفادة من التكنولوجيا النووية فى توليد الطاقة وتشغيل الأنظمة العلمية والطبية والهندسية المتطورة أسوة بما يحدث فى معظم دول العالم المتقدم، وهو ما لم يجرؤ عليه أى من دول المنطقة بخلاف إسرائيل طبعاً.
وإيران متقدمة عسكرياً بدليل تصنيعها لكثير من الأسلحة الحديثة المتطورة اعتماداً على إمكانياتها الذاتية من دبابات وطائرات وصواريخ، مما مكنها من المحافظة على أمنها القومى وردع أعدائها ولو إلى حين.
نخلص من ذلك إلى أن النظام القائم فى إيران يختلف عن باقى الأنظمة الموجودة بالمنطقة، فهو يتداول السلطة وغير تابع لأى قوة عظمى ويصنع سلاحه بنفسه دون خضوعه لأى قيود على هذا التصنيع، سواء من إسرائيل أو الغرب، نظام مثل هذا جدير بأن يفتخر أبناؤه بالانتماء إليه سواء لما حققه حتى الآن.. أو ما هو بصدد تحقيقه فى المستقبل.
لما سبق فإنه يصبح مستهجناً ومعيباً وغير مفهوم أن يظهر على المسرح السياسى للدولة من يفتقر إلى هذا الانتماء والحس الوطنى من سياسييها السابقين الذين يستغلون شبابها الحاليين ويستقوون بالإعلام الغربى، ويصبح صراع هذا البعض من السياسيين من أجل كرسى الرئاسة والعودة إلى الحكم أهم عنده ألف مرة من استقرار الدولة والمحافظة على إنجازاتها وعدم إتاحة الفرصة لأعدائها للنيل منها.
سؤالى إلى السيد موسوى.. هل تظن أن براون وميركل وساركوزى، يهتمون حقاً بشخصك أو بصحة نتائج الانتخابات الإيرانية وشفافيتها؟.. أو ما إذا كان موسوى كسب أم خسر .. وهل تظن حقاً أنك تقود ثورة شعبية.. ثورة ضد من؟، ضد حكومة حققت لشعبها العزة والكرامة، وحققت أمنه القومى وجعلته منيعاً ضد أى عدوان، وهل تصدق حقاً دعاواهم الكاذبة عن دفاعهم عن الشعوب التى تنشد الحرية وحق التظاهر؟.. وإلا أين كانوا وإسرائيل تدك غزة ليلاً ونهاراً وتقتل وتدمر ما شاء لها الهوى دون كلمة واحدة من أنصارك مدعى نصرة الحرية.. أفيقوا يرحمكم الله.
لقد قام ساركوزى بالأمس بإصدار قانون بتجريم لبس الحجاب نهائياً فى فرنسا، لأنه، طبقاً لألفاظه المحددة، "رمز للعبودية وسجن للمرأة وحط لكرامتها!!" وكأن الإدمان والشذوذ الجنسى وزواج المثليين فى فرنسا ليست من ضمن همومه ولا مشاكله حتى يتفرغ لتعليم المسلمين بدينهم وتحرير المرأة المسلمة، الذين من بينهم أهلك ونساء بلدك، الذين تدعى الدفاع عنهم، إن ساركوزى هذا هو أحد المدافعين الرئيسيين عنك وعن الفوضى التى سببتها فى بلدك، فهل أدركت الآن لماذا يشجعونك ولماذا يملؤون وسائل إعلامهم بصورك وصور زوجتك المحجبة التى لا يعترض ساركوزى على حجابها!!.
ولكى لا تختلط الأمور فسوف نستعيد شريط الأحداث مرة أخرى، لنبدأ من البداية.. من يوم الجمعة.. يوم الانتخابات، الكل يعلم أنك تستحوذ على إعجاب تيار من الشباب وتستحوذ على عقولهم، وهم فى معظمهم من شباب مدينة طهران الذين يشاهدون التليفزيون ويرقبون القنوات الفضائية الأجنبية بما فيها من شرب ورقص ومجون وهى أشياء يرغبون، بحكم سنهم، فى ممارستها، فى حين تحرمهم الحكومة الإسلامية القائمة منها.. فعندما تأتى أنت وتتحدث عن الحرية والانفتاح، فإن عقولهم تذهب إلى هذا النوع من الحرية والانفتاح حتى وإن لم تكن تقصده.. حرية التحلل من القيود القائمة فى مجتمع الثورة الإسلامية التى، بحكم أعمارهم لم يعاصروها ولم يعرفوا صراعاتها لمدة ثلاثين عاماً لكى تسلمهم دولة قوية عزيزة ومجتمعاً قوياً خالياً إلى حد كبير من مشاكل الدول الأخرى.. أقول إن هذا الشباب بهذه العقلية هم الجزء الأكبر من مؤيديك والمصوتين لك.. وبالتالى لم يكن غريباً أن تكون كثافة التصويت لصالحك فى محافظة طهران، حيث حصلت فى نهاية اليوم بعدد الأصوات على نحو ثلاثة ملايين و600 الف صوتاً، فى حين حصل منافسك أحمدى نجاد على نحو ثلاثة ملايين و500 الف صوتاً، أى أقل منك بمائة ألف صوت.
لكن المشكلة بدأت عندما سارعت، بعد بدء الانتخابات بقليل، تحت ضغط مؤيديك، وربما تحت ضغط زوجتك، "التى كانت تكره أحمدى نجاد لتلميحه عن كيفية حصولها على مقعد التدريس فى الجامعة نتيجة وساطتك، ولا أدرى لماذا تذكرنى بإيلينا زوجة شاوشيسكو، رغم أن إيلينا لم تكن محجبة.. ربما كان وجه الشبه بينهما أن كلتيهما ظلت تدوى فى أذن زوجها حتى أوردته موارد التهلكة"، أقول إنك سارعت بعد ساعات قليلة من بدء التصويت تحت ضغط مؤيديك، وربما زوجتك إلى إعلان فوزك فى الانتخابات وأنك الرئيس الجديد لإيران منخدعاً فى ذلك بما شاهدته من اندفاع الشباب إلى التصويت لك خلال الساعات الأولى.. متصوراً خطأ أن باقى المحافظات ستحقق نتائج مشابهة، وقد كان هذا تصرفاً أرعناً متسرعاً من جانبك، ناهيك عن أنه غير صحيح وغير مسئول، المهم تلقف الشباب الراغب فى التحلل من قيود المجتمع الإسلامى تصريحك هذا بلهفة وفرح وانطلقوا إلى الشوارع قبل إغلاق صناديق الاقتراع، مهللين صارخين يحتفلون بالنصر الموعود، الذى زرعته فى عقولهم، وذلك رغم أن النهار مازال فى منتصفه واللجان مازالت تعمل ولم يتم حصر أى أصوات، وزاد عن ذلك أنك قمت بنفسك من خلال موقعك الإلكترونى بالإشادة بنزاهة العملية الانتخابية غير المسبوقة وشكرت القائمين على اللجان الانتخابية.
لكن عندما انتهى وقت التصويت وأغلقت اللجان وبدأ حصر الأصوات وإعلان النتائج الحقيقية تباعاً ثم إعلان فوز أحمدى نجاد بنسبة عالية حدث الشرخ القاتل، حيث شكلت هذه النتيجة حاجزاً مسدوداً أمام مؤيديك لم يكن من الممكن تجاوزه أو احتماله، وكان تغيير الاتجاه بالنسبة إليهم قد أصبح مستحيلاً عقلياً ونفسياً، فكيف يوقفون التهليل والصراخ مرة واحدة، وماذا يفعلون حتى لا يواجهوا أنفسهم بأنهم كانوا واهمين ومخدوعين بعد أن كانوا قاب قوسين أو أدنى من الانطلاق والتحلل من القيود وفرصة الحياة على طريقة شباب الغرب، وفى لحظات الشلل التى أصابت قدرتهم على الاستيعاب خرجت أنت عليهم لتدلهم على الطريق.. إنه الهروب إلى الأمام بإدعاء تزوير الانتخابات.. وهذا مكنهم من الاستمرار فى صراخهم وتهليلهم، ولكن لسبب آخر هذه المرة، وهو التنفيس عن غضبهم وإحباطهم.. كما يفعل المشجعون المتعصبون لفريق كرة قدم منهزم عندما يفقدون عقولهم لسبب غير مفهوم ويقومون بتكسير الملعب.
ثم توالت الأحداث مسرعة .. وسعى المتآمرون على وطنك إلى استكمال دوافع الغضب الغبى، وذلك بإراقة الدم، وهنا خرجت الأمور عن سيطرة الجميع.. وفقدت أنت الآخر عقلك وصدقت أنك فزت وأن الدولة التى كنت رئيس وزرائها بالأمس قد تآمرت عليك وسلبتك نصرك، فخرجت إليهم مرة أخرى، ربما بإيعاز من زوجتك، بعد إعلان نتائج الفرز وفوز أحمدى نجاد لتدعوهم إلى الثورة ورفض نتائج الانتخابات، بعد أن اغتسلت غسل الاستشهاد.. أى استشهاد يا رجل، وأنت تحارب وطنك ودينك وتتحالف مع الأعداء وعلى رأسهم إسرائيل التى أفردت وزارة اتصالاتها هيئة خاصة لتلقى رسائل وصور المظاهرات وتمريرها إلى باقى دول العالم بعد أن قامت الحكومة الإيرانية بفرض الرقابة على شبكة المعلومات.. أرأيت يرحمك الله كيف أوردت مواطنيك موارد التهلكة؟.
لقد أخطأ أحمدى نجاد خلال مناظراته مع منافسيه عندما قام بتجريحهم والنيل من أسرهم حتى ولو كان صحيحاً، فهذا أسلوب لا يليق وليس من الإسلام فى شىء ويترك مرارة فى النفوس ناهيك عن خطأ إقامة المناظرات من الأصل دون تحديد موضوعات النقاش، لكن هذا شىء والتضحية بالوطن من أجل العناد والثأر للزوجة شىء آخر.
السيد موسوى.. لقد زججت، ومن خلفك السيد كروبى، ببلدك فى أتون صراع داخلى سفيه، أفقدها الكثير من هيبتها أمام أعدائها وشجع الدول الأوروبية التى تدين بالولاء الأعمى لإسرائيل إلى التكالب عليها لإضعافها وتفتيت وحدتها بعد أن كانت تستجدى إيران لتقبل الجلوس معها ومفاوضتها على برنامجها النووى السلمى، لقد كنت طعنة فى ظهر وطنك وأشد إيذاء له من كل أعدائه.. فكيف يقبل بك وطنك رئيساً له بعد ذلك.. أيقبل بك لتسلمه إلى أعدائه.. بئس المرشحين كنت.
لواء أركان حرب متقاعد - خبير إستراتيجى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة