لا يزال القمع مستمراً فى إيران، التى باتت أكثر من أى وقت مضى معزولة عن العالم، حيث بلغ عدد الأشخاص المعتقلين منذ انتخابات 12 يونيو المثيرة للجدل أكثر من 2000 شخص، وفقاً للرابطة الإيرانية لحقوق الإنسان، فقد اختفى عدد كبير من الشباب والطلبة، ولا تعلم أسرهم ما حدث لهم، وحتى جثث القتلى التى سقطت على هامش الأحداث لم تسلم إلى عائلاتهم. ومن بين هؤلاء المحتجزين عدد كبير من القادة الإصلاحيين الذين ألقت صحيفة "لوموند" الضوء عليهم.
تذكر الصحيفة، أن من بين المئات من القادة السياسيين الإصلاحيين الذين ألقى القبض عليهم، تم احتجاز العديد منهم فى سجن إيفين الخاضع مباشرة لأجهزة الاستخبارات الإيرانية، ومن بعض أكثر حالات هؤلاء المعتقلين المثيرة للقلق، حالة سعيد هادجريان، وهو أحد قدامى المستشارين المقربين من الرئيس الإصلاحى محمد خاتمى، والذى تعرض للشلل التام تقريباً فى أعقاب محاولة لاغتياله فى عام 2000، حيث بات يتنفس ويتكلم بصعوبة ويحتاج إلى رعاية مستمرة. وقد تمكنت زوجته، وهى طبيبة، من رؤيته لفترة قصيرة، يوم الجمعة 26 يونيو، بعد عشرة أيام من احتجازه، وأكدت أن حالته الصحية قد تدهورت بشكل كبير وأصبحت مقلقة للغاية.
وتضيف الصحيفة، أن مصير عدد آخر من قادة الحركة الإصلاحية أيضاً يثير علامة استفهام كبيرة. إذ تقوم السلطات الإيرانية بالتعتيم التام على طريقة معاملاتها لهم، ولكن وفقاً لبعض الروايات، التى من الصعب التحقق منها، فإنهم قد يكونون يتعرضون لضغوط، بما فيها "الضغوط الجسدية"، لإجبارهم على كتابة اعترافات تؤكد صلاحية الانتخابات و"الضرر" الذى تسببوا فيه خلال الأحداث الأخيرة التى شهدتها إيران.
وتعدد الصحيفة أسماء بعض الشخصيات الإيرانية التى تم اعتقالها، وما قد تكون تعرضت له أثناء الاستجوابات، ومنهم عبد لله رمضان زاده، المتحدث السابق باسم الحكومة، قد تلقى ضربة عنيفة بالعصا على رأسة؛ ومصطفى طاجزادة، نائب وزير الداخلية السابق وأحد واضعى استراتيجية حملة الإصلاح، قد تعرض للضرب أثناء الاستجوابات، وكان طاجزادة، هذا الرجل الذكى الصارم، على حد وصف الصحيفة، قد صرح قبل أشهر قليلة من الانتخابات لصحيفة "لوموند" قائلاً: "تتعرض الجمهورية الإسلامية لخطر من جانب الحكومة الحالية التى أضفت الطابع العسكرى على كل شىء، إذ أنها تريد نظام إسلامى وليس جمهورياً، فهى تفكر مثل طالبان، حيث تعتقد أن الديمقراطية أمر جيد، ولكن بالنسبة للغرب فقط، بيد أن الدستور الإيرانى يؤكد على الحق فى حرية الفكر والتعبير، وخلال هذه الانتخابات سيكون الشاغل الأكبر هو الوضع الاقتصادى، ولكن المعركة الكبيرة ستكون الديمقراطية".
أما زوجة محسن ميردامادى، النائب السابق لرئيس البرلمان، وهو أيضاً أحد المحتجزين، فقد كتبت رسالة مفتوحة وقع عليها عشرات من زوجات المعتقلين اللاتى لم تتلقى أخباراً عن أزواجهن، لتوجيهها إلى البرلمان والسلطات القضائية، وآيات الله فى قم، المدينة المقدسة.
وبالرغم من هذا القمع الوحشى والبيانات المثيرة للقلق، مثل ذلك البيان الصادر عن الأصولى خاتمى، الذى طالب يوم الجمعة "بالقضاء على المشاغبين"، فإن الإشارات الصادرة عن النظام الإيرانى تعكس نوعاً من التناقض، حيث طلب مجلس صيانة الدستور يوم الجمعة من موسوى وكروبى إرسال ممثلين لإجراء عملية إعادة جزئية لفرز الأصوات، مع التأكيد على أنه لم يكن هناك أى نوع من أنواع "الغش".
وبحسب أحد المحللين الإيرانيين، فإن المحيطين بأحمدى نجاد يسعون فقط لكسب الوقت حتى تنتهى حركة الاعتراض التى تشهدها إيران، والتى باتت معزولة عن كل شىء، بل إنهم يسعون إلى إيجاد "ذرائع" أمنية لزيادة الضغوط، وقد توجه وفد من أعضاء البرلمان إلى موسوى موضحاً له أنه أصبح خارج الإطار الانتخابى، ومن ثم فعليه إظهار الولاء، وإلا عرض أمن النظام الإيرانى للخطر، وسيكون عليه وقتها "تحمل العواقب".
وتخلص الصحيفة إلى ظهور عنصر جديد لإنقاذ موسوى، الذى بات لا يستطيع حتى الاتصال بالمحيطين به، وهو حسن، حفيد الإمام الخمينى، والد الثورة الإيرانية 1979، والقيم على ضريح جده، والذى صرح على عدة مواقع إلكترونية عن استعداده لاستضافة مظاهرة حداد سلمية لأنصار موسوى الذى كان رئيس الوزراء فى حقبة جده. وهو الأمر الذى يمثل ضربة قوية لأحمدى نجاد، الذى يدعى أنه الوريث الحقيقى للثورة، خاصة وأن عائلة خمينى، التى ما زالت موضع احترام كبير، كانت قد أشارت قبل الانتخابات إلى تأييدها لموسوى، فهل أصبح ذلك أحد المحرمات الجديدة التى سيتوجب على الأصوليين مقاومتها؟.
