أثناء جلوسى بجوار شرفة منزلى المطلة على البحر، أخذت أنظر جمال زرقة البحر وصفاء مياهه، وأخذت أمعن فى خط الأفق، سارحا بخيالى ترى أخلف هذا الخط أناس سعداء، أم يحملون أوجاعا وهموما وشجونا مثلنا، وعبرت إلى الناحية المقابلة بخيالى، شاهدت شوارع نظيفة منسقة والخضرة جزء أصيل من تكوينها، بيوتها فى نسق معمارى بديع ارتفاعاتها واحدة وألوانها تحاكى العين وتداعبها، لا تشاهد هذا الدور لونه شاذا وذاك منفراً للمقل .. نسق جميل، ومرور منظم وتحب أن تنظر لمن ينظمه واقف ممشوق نشيط تحس به محباً لعمله، وركبت حافلاتها لا زحام ولا أحد يتجاوز أحدا، فلم أرَ كرسيا متسخا، ولا مكتوبا على جدرانها حكم ومواعظ من وضعها عليه أولا أن يعمل بها، وشاهدت أناسا يمسكون كتابا يقرأون فيه، وكل منهم مشغول بنفسه، لم أرَ أناسا تحكى بصوت عال، وحوار الرفقاء وهم يتكلمون وكأنهم بجوار مريض صوتهم لا يتجاوزهم، وجاء وقت أذان الظهر ولم أسمع صوتاً لمؤذن، هنا شعرت بغربة ووحشة، وأحسست أن كل الذى رأيته لا قيمة له وكأنه السراب، حقا إننا نعانى لكن لحظة حى على الصلاة وإن كان بعضنا لا يصلى، أرى أنها الدفء الذى يحيطنا وأمان ينساب إلينا بلا جهد، كانسياب النهر بيننا بغير عناء نشعر بفقده أن تاهت بنا السبل فى الصحارى، وما أكثر النعم ولا نشعر بقيمتها إلا عندما تتركنا، وجاء صوت حفيدى ينادينى "جدو جدو.. قم لأذهب معك لصلاه العصر فى المسجد"، وأعادنى حفيدى من رحلتى راضيا وشاكرا لله على نعمته وما أنا فيه، وودعت خط الأفق وما خلفه.
