تعيش العمالة المصرية الموجودة بالجماهيرية الليبية حالة من القلق والحيرة، ليس بسبب ظهور الطاعون بعد اختفائه 98 عاماً فقط وليس بسبب المعاناة اليومية داخل الأراضى الليبية، بل زادت عليهما قضية العالقين بين حدود البلدين مؤخراً سواء جاءوا لقضاء الإجازة الصيفية المعتادة أو خوفا من انتقال الطاعون وأنفلونزا الخنازير لهم، كما فرضت السلطات الليبية رسوم مرور من وإلى البلاد، وهو ما أرهب المصريين نتيجة قلة الأموال وما وصفوه بسوء المعاملة.
يعانى العمال المصريون العاملون فى الجماهيرية العربية الليبية من تدنى أسلوب المعاملة والذى وصفوه بأنه أقل من "الصفر" حيث يتعرضون للسب والضرب، وأكدوا أنه لا فائدة من أحد سواء كان صاحب العمل أو السفارة أو الشرطة إذا رفعت شكوى ضد مواطن ليبى قام بضربك أو إهانتك لتكتشف بعد ذلك أنك المتهم، هذا بالإضافة للأجور المنخفضة والتى يزيد عليها أن بعض أصحاب العمل يعطون المصريين حقوقهم كاملة ويقولون: "روح اشتكى".
كما يعانى المصريون من تجاهل السلطات المصرية لحقوقهم، حتى أنهم استبشروا خيراً فى زيارة وزيرة القوى العاملة والهجرة مؤخراً لليبيا، إلا أنهم فوجئوا بأنها أبدت سعادتها بجهود الجانب الليبى فى مراعاة حقوق العمالة المصرية، ووضع النظم المساعدة على إدارة شئون العمالة، وناقشت مبلغ الـ (500) دينار ليبى التى يدفعها المصريون فى دخولهم أو خروجهم من ليبيا بشكل من السطحية واعتبرت هذه الرسوم أو الغرامات إجراءات تنظيمية للتنقل بين البلدين، على الرغم أن مصر لا تحصل على أية مبالغ مماثلة.
هذا ما أكد عليه السفير محمود مصطفى، قنصل مصر العام فى بنى غازي، كما أشار لانتهاء أزمة المصريين العالقين أمام منفذ "مساعد" البرى، دون دفع الرسوم المقررة مؤكداً على احترام القرار الليبى الخاص بتطبيق هذه الرسوم، وهو ما دافعت عنه عائشة عبد الهادى وزيرة القوى العاملة، فى تقريرها أمام اجتماع مجلس الوزراء الـ (72) مؤخراً وقالت: "لا يستهدف العمالة المصرية بهذه الإجراءات التى تهدف إلى تنظيم سوق العمل بشكل عام"، كما أنها اتفقت مع الجانب الليبى فى هذه الزيارة على تقنين أعداد العمالة المصرية فى ليبيا، وهو ما يعيد للذاكرة.
وتابع أن السفير المصرى فى طرابلس أجرى اتصالات مع المسئولين الليبيين حول ارتفاع هذه الرسوم، فوعدوا بالنظر فى هذا الأمر، وشدد على أن القرار الليبى بتطبيق هذه الرسوم ليس مقصورا على العمالة المصرية وحدها، وإنما سيطبق على جميع الجنسيات التى تعمل فى ليبيا.
عدد من العائدين بعد وصولهم إلى منفذ السلوم أعربوا عن استيائهم من المعاملة. يقول عمر ضاحى «سائق سيارة ميكروباص» من المنيا: «عاملونا معاملة العبيد ولم يرحموا مريضا ولا سيدة ولا طفلا ولم يهتموا إلا بتحصيل الرسوم الجديدة على السيارات والأفراد». وتساءل: «كيف يتم تطبيق هذه القرارات الجديدة على المغادرين والقادمين فى الوقت نفسه؟».
وعن أحوالهم خلال الأيام الثلاثة التى احتجزوا فيها يقول سعيد محمد من سوهاج: «لم نذق طعم النوم ونحن نحاول أن نشرح لهم أننا مغادرون والرسوم تطبق على القادمين فلم تكن إجاباتهم إلا السب والإهانة بالأم والأب ولم يشفع لنا بكاء الأطفال». ويضيف: «أنا بقالى ٦ شهور فقط فى ليبيا أعمل يوم وعشرة لأ أجيب لهم منين ٥٠٠ دينار، ده أنا ماشتغلتش بيهم».
ويكمل حاتم فتوح من سوهاج - عامل مبان: «فوجئنا حينما قررنا العودة لمصر ونحن قبيل المنفذ باتصالات من المنفذ الليبى، تؤكد أن هناك مصريين محتجزين دون طعام ولا ماء فنزلنا واشترينا أكلاً وشربا يكفينا لأسبوع ووضعناه بالسيارة التى تقلنا، ووجدنا ما تخوفنا منه فقد بقينا بالمنفذ يومين وغادرنا يوم السبت ودخلنا مصر ليل الثلاثاء، وكنا نظن أننا لن نرى مصر مرة ثانية».
حمادة رشدى من سوهاج - عامل مبان قال: «إن هناك أكثر من ٢٠٠ سيارة بالمنفذ لم تخرج بعد وأن أكثر من ٣٠٠ سيارة ميكروباص بها حوالى ٣٠٠٠ مصرى عادوا إلى ليبيا مضطرين بسبب الرسوم»، ويشير «حمادة» إلى أن هناك كثيرا من المصريين الذين لم يكملوا ٦ أشهر دون أن يقوموا بتوفير مجرد الـ٥٠٠ دينار اللازمة لعودتهم.
ويحكى محمد على، سائق مصرى من سوهاج ويعمل على خط ليبيا - الصعيد، أن الليبيين كانوا لا لعبة لهم غير بيوت وسكن المصريين فى بنى وليد وبنى غازى وغيرهما، يفاجئونهم فى نص الليل لإجبارهم على التوقيع على إقرارات بالرحيل فى خلال أسبوع أو الحصول على عقد عمل موثق للبقاء.
ويقول محمد ياسين - سائق من بنى سويف إن الليبين أطلقوا النيران على المصريين المحتجزين لإخافتهم والسيطرة عليهم بعد وصول العدد إلى أكثر من ٤٥٠٠ مصرى محتجزين بالمنفذ الليبى لدفع الرسوم الجديدة، ويضيف أن كثيرا من المصريين أحسوا بالمهانة وأنهم دون سند من مصر نفسها أو من السفارة.
لم تخل ساعات الاحتجاز من لحظات من الرعب بعد سماع البعض من المحتجزين عن خبر الطاعون. يقول عصام محمد من المنيا: «حسينا إننا متحاصرين بين الحجز بالمنفذ من ناحية وبين الطاعون من الناحية الثانية».
من جهة أخرى كشف عبد العزيز سيف النصر، السفير المصرى بالجزائر، أنه تم التوصل مؤخرا إلى حل يقضى بالعفو عن مصريين صدر ضدهما حكم بالإعدام بتهمة قتل مواطن جزائرى فى ليبيا.
وقال سيف النصرفى بيان رسمى : «بعد جهود قامت بها سفارة مصر بالجزائر بالتنسيق مع السفارة المصرية بليبيا ووزارتى الخارجية الجزائرية والليبية على مدى عام كامل تم التوصل إلى حل بقبول أسرة المجنى عليه دية مالية مقابل العفو عنهما»، وأضاف: «انتهت الإجراءات الخاصة بالإفراج عن المتهمين بعد دفع مبلغ الدية لأسرة المجنى عليه بمقر السفارة المصرية بالجزائر».
الأمر المؤكد أن العلاقات المصرية ـ الليبية علاقات تاريخية وقوية لم تتأثر على مدى السنوات بالاختلافات السياسية أو غيرها، كما أن العمالة المصرية فى ليبيا كانت تعامل دائما بكل ترحيب وتقدير، إلا أن زيادة عدد بعض العمالة المصرية غير المؤهلة أو المدربة وزيادة عدد الحوادث المتكررة منها، أدى إلى بعض الضيق والتشدد فى الإجراءات الليبية..
وكان السفير محمود مصطفى قنصل مصر فى بنغازى قد أكد من قبل أنه لا يوجد أى استهداف للجالية المصرية, بل على العكس فإن المصريين مرحب بهم فى ليبيا ولكن فى إطار القانون والاتفاقيات.
والمعروف أن الاتفاقية التى وقعتها عائشة عبد الهادى وزيرة القوى العاملة لتنظيم العمالة تتعارض مع اتفاقية الحريات الأربع الموقعة بين رئيسى وزراء مصر وليبيا, وهو ما أثار علامات استفهام حول الجزر المنعزلة التى تعمل بها أحيانا الحكومة.
العمالة المصرية فى ليبيا بين شقى رحى المعاملة السيئة والإصابة بالطاعون.. وعائشة عبد الهادى ذهبت لطرابلس لطرق الأبواب والتهدئة فقط
السبت، 27 يونيو 2009 12:09 م
وزيرة القوى العاملة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة