انتعشت وسررت بردود بعض القراء على تساؤلى هل نحن خير أمة أخرجت للناس؟. أحسست بأننا ما زلنا نملك بعض الفضائل والنشاط، ويمكن أن نتفاعل مع بعضنا البعض للعودة إلى الأيام الجميلة التى كان يحترم فيها الصغير الكبير ويسود الحياء ويسارع الجميع لنجدة المحتاج أو الضعيف.
المشكلة أننا دخلنا فى حلقة جهنمية يقسو فيها الطبيب على المريض والبائع على المشترى والغنى على الفقير ومفيش حد طايق حد. يرجع البعض السبب إلى لقمة العيش والتكالب على المادة وعدم القناعة والرضا. أضف عليهم مستوى التعليم ومستوى الرعاية الصحية وانعدام الخدمات وكثرة تحصيل الحكومة للفلوس من الناس وعدم حصول المواطن على حقه إلا إذا كان عنده واسطة فما بالك بأصحاب الاحتياجات الخاصة أضعف خلق الله على الأرض .
المشكلة أن الرحمة نزعت من قلوب الجميع. الدليل أننى كنت أحاول أن أتصدق على عاجز على الطريق فقال لى مرافقى إنهم ملاعين بيعملوا عاهات فى أجسامهم ويعتبرون الشحاتة مهنة .هزنى رده وأنا أنظر إلى كبر سن الشحات ويده المقطوعة ويسير على كرسى متحرك فلماذا هذه القسوة والحكم بصيغة الجمع حتى نريح ضمائرنا ونقول إن الجميع نصابون.
وتذكرت على الفور قصة فى مدينة فينيسيا -البندقية- وفى ناحية من نواحيها النائية، كنا نحتسى قهوتنا فى أحد المقاهى.فجلس إلى جانبنا شخص وصاح على الجرسون اثنان قهوة من فضلك، واحد منهما علقه فى المحل، فأحضر النادل له فنجال قهوة وشربه، لكنه دفع ثمن الفنجالين، وعندما خرج الرجل قام النادل بتثبيت ورقة على الحائط مكتوب فيها:فنجال قهوة واحد.وبعده دخل شخصان وطلبا ثلاثة فناجيل قهوة واحد منها علقه للمحل، فأحضر الجرسون لهما فنجالين فشرباهما، ودفعا ثمن ثلاثة فناجيل وخرجا، فما كان من الجرسون إلا أن قام بتثبيت ورقة على الحائط مكتوب فيها فنجان قهوة واحد.وعلى ما يبدو أن الأمر قد دام طوال النهار.وفى إحدى المرات دخلنا نفس المقهى لاحتساء فنجال قهوة، فدخل شخص يبدو عليه الفقر،فقال للجرسون: فنجال قهوة من المحل !
أحضر له النادل فنجال قهوة، فشربه وخرج من غير أن يدفع ثمنه !
ذهب الجرسون إلى الحائط وأنزل منه واحدة من الأوراق المعلقة، ورماها فى سلة المهملات.
طبعاً هذه الحادثة أمام أعيننا جعلتها تبتل بالدموع، لهذا التصرف المؤثر من سكان هذه المدينة التى تعكس واحدة من أرقى أنواع التعاون الإنسانى.فما أجمل أن نجد من يفكر بأن هناك أناسا يحبون شرب القهوة ولا يملكون ثمنها.ونرى المحتاج يدخل المقهى وبدون أن يسأل هل لى بفنجال قهوة بالمجان، فينظر إلى الحائط ويطلب فنجاله ومن دون أن يعرف من تبرع به، فيحتسيه بكل سرور،حتى إن هذا الحائط فى المقهى يمثل زاوية لها مكان خاص فى قلوب سكان هذه المدينة.
تذكرت على الفور بعض سرادقات موائد الرحمن عندنا فى رمضان وعليها لافتات كبيرة باسم فاعل الخير والمحسن الذى تبرع بها بإعلان فج مقزز، بأن كل من يحضر إلينا من الفقراء والمساكين. الأسوأ أن كل من يدخل هذه الخيم عليه أن يترك كرامته وإنسانيته على بابها من قسوة وغلظة العاملين بداخلها، حيث يرمون الأطباق ويتعاملون بتعال على الصائمين. فهل أخطأت فعلا عندما تساءلت :هل نحن حقا خير أمة أخرجت للناس؟
• نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة