نهى العربى تكتب.. انظر الترجمة أسفل الشاشة

الثلاثاء، 23 يونيو 2009 11:17 ص
نهى العربى تكتب.. انظر الترجمة أسفل الشاشة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"تبا عليك اللعنة..."، أذكر أن تلك الترجمة التى تكتب فى نهاية الشاشة كانت دوما هى المعروفة آنذاك، حيث إن مصادر الرؤية الوحيدة للأفلام الأجنبية كانت ما يتم عرضه على شاشة التلفزيون المصرى، فى نادى السينما وزووم والبانوراما الفرنسية، ولأننا كنا معجبين للغاية بالسينما التى نراها ولم نكن نعهدها قبلا فى سيناريوهاتنا العتيدة، فصار أبطال تلك الأفلام مميزون لنا وصار ما يتفوهون به هى الحكمة بعينها، تلك الكلمة التى كنا نتلفظها ونكتبها على حوائط المدرسة دون أن نعلم معناها إلا لاحقا..

تزامن تذكرى لتلك التفاصيل مع إعلان وزير الثقافة لبدء ترجمة الأدب الإسرائيلى للعربية، وتضايق بعض الكتاب من الوقت الذى يتم فيه عرض هذا القرار وما يثار حوله أنه لمصالح شخصية، وأن الوزير كان قد أبدى وجهه نظره قبلا فى تلك المسألة رافضا إياها لانها تمثل نوعا من التطبيع مع إسرائيل...

محاولات الترجمة للأدب الإسرائيلى بدأت من قبل فى عهود رئاسية سابقة كنوع من التنوير الثقافى للشعب، فلابد وأن يعرفوا عدوهم الذى خذلتنا شخصيتنا المتعجرفة أحيانا لأن تفيه حق قدره، وجعلتنا ننشغل بكراهيتنا له عوضا عن الحذر المدروس منه..
تلك الآونة إبان الحروب، كان الشعب المصرى له معرفة تامة بتاريخ الصراع العربى الإسرائيلى لأنه عايشه بل وذاق ويلاته، تلك الأجيال كانت تفهم جيدا معنى كلمة عدو، كان كل شئ واضحا و جليا...

أما مع تقدم السنوات و ظهور أجيال متعاقبة جديدة صار البعد بينها وبين تفاصيل القضية كبيرا، تلك الهوة التى انتشرت فيها مفاهيم التطبيع وأنه لابد للأجيال الجديدة أن تتغاضى عما حدث فى الماضى ، وتتعامل مع الشعب الإسرائيلى بمفردات جديدة تحوى بداخلها الصداقة و السلام المزعومين، على الرغم من ان القضية الفلسطينية لم تحل بعد.
هذا إضافة إلى مناهج التاريخ المدروسة والمفرغة من محتواها، والتى زادت من تلك الهوة الحضارية والثقافية لدى الشباب، جعلتهم شيئا فشيئا يستاءلون ولم الصراع من الأساس؟

وهنا يأتى السؤال: من يقرأ الأعمال الأدبية المترجمة؟ والتى نخشى من تقديم أدباء إسرائيل لشبابنا المصرى فيدخل ذلك بذهنهم بعض المفاهيم السياسية الخاطئة، والأحداث التاريخية المزيفة فيصير انفتاحنا عليهم وبالا علينا؟
أما هذا التخوف فليس له أساس من الصحة، فالأعمال الأدبية لا تنتظر وزارة الثقافة لتقوم بترجمتها، فى عالم كالذى نعيشه لا يوجد شىء بعيد المنال، فى عهد المدونات ودور النشر الخاصة والاتصال الدائم بين الاشخاص مختلفى الجنسيات عبر القارات، لم يعد هناك كلمة محظور من النشر.

والحق يقال إن الفئة التى تقرأ هى فئة قليلة مثقفة من الشباب، شريحة لا تعد شيئا مقارنة بالسواد الأعظم، لذا ففيم الخوف من الترجمة، كما أن قراءة الأدب الإسرائيلى ليست نوعا من التطبيع ولاعدم الوطنية، فالمعرفة هى السلاح الوحيد تجاه أى تيارات فكرية غريبة قد تجتاح أى مجتمع، كما أننا ولابد أن نتخلى عن الفكرة التاريخية البالية بأن إسرائيل هى العدو الأول والأخير، لا يجب الاقتراب منه أو المعرفة عنه، تكفى الكراهية فقط...

الواقع أننا فى وقت صارت فيه الافتراءات والادعاءات كثيرة، ولنا أن نعرف المزيد عن هذا الشعب، كيف يفكر و كيف يجب التعامل معه، ولا يوجد أصدق من الأدب كمحاولة لقراءة هذا.

إلا أننا قد نفعل ذلك بطريقة خاطئة تجعلنا نتمنى عدم الترجمة من الأساس، ذلك عن طريق فرض الوصاية و السيطرة من خلال مسمى الرقابة، سنختار أعمالا معينة للترجمة تتناسب وقيم المجتمع المصرى، وسنترجم أقرب ما يكون لما هو مكتوب ما يتناسب و أخلاق المجتمع المصرى!

تلك الفكرة هى قمة السذاجة التى تجعل منك شخصا جهولا إذا نطق أمام أجنبي، نطق كفرا، و بدلا من أن تفتخر بثقافتك و تفهمك لشخصيته و موروثه، تفاجأ بأنك تتحدث عن كائن فضائى ليس له وجود، وحين يقوم هو بالشرح لك تجد الأمر مستساغا ولا ضرر فيه! بل وتجد حلاوة فى أن تتعامل مثله.

أما قيم وأخلاق المجتمع المصرى فلا توجد فى أى مجتمع آخر، لأن كل مجتمع له قيمه الخاصة، وبالتالى ففكرة الاختيار لا تقوم على الحجب ولكن تقوم على العرض الجيد والمنظم لكل المعلومات فتعرفها جميعها ولا تختار سوى ما يناسبك، هذا إلا إذا نرى فى أنفسنا إمعة لا تقوى على التمييز بين الغث والثمين، وأطفالا لم يتم فطمهم بعد فيتم الاختيار لهم ، وأن كنا كذلك بالفعل فإلى متي؟
وأما الخوف أن يعجب الشباب بما يقدم لهم من وجبة ثقافية، فهذا يحتاج إلى حركة أدبية قوية، تجلعهم يعجبون بقيمة الشخصيات الأجنبية و لكن دون المساس بأمثلتنا العربية والمصرية، وهذا يحتاج فقط للمعرفة.

يتميز الكتاب الأجانب عن غيرهم بالعرض الشيق والجذاب، وعلى الرغم من أننا نمتلك تراثا أدبيا رائعا و قويا إلا أنه لا يقدم بالشكل اللائق و لا يروج له كما يفعلون.

لابد و أن نحتفى بكتابنا ونقدمهم كما يجب كأمثلة تحمى الشباب من الانسياق وراء أمثلة أخري، لهم أن يعرفوا عن تاريخهم الكثير ويفتخروا بانتمائهم لهذا المجتمع، اللغة التى تقدم لهم لا يجب ان تنفرهم من فعل القراءة، هذا ما وجدته جليا فى رواية "ربع جرام"، الرواية التى حققت مبيعات مرتفعة، رغم النقد الموجه لها، لتؤكد وجود جمهور من القراء الشباب، وتؤكد أيضا أنه لا مانع من وجود تلك الأمثلة التى تتناول لغة عادية وقريبة من الشباب ليجدوا فيها تقديما جادا لقضية هامة تؤرقهم بالفعل...

أما لتوافر تلك الثقافة، فلننحى جانبا الاعتماد على تعديل المناهج الوزارية، لأنها بأى حال من الأحوال يتدخل فى تشكيلها الكثير من الأهداف السياسية المعلنة وغير المعلنة، عليك الآن أن تشكل ثقافتك بنفسك، لا تجعل أحدا يفرض عليك فكرا خاصا به، و هذا ما يجب أن يساعد فيه نخبة المثقفين والكتاب الشباب بالتوجيه والإرشاد لإنقاذ ثقافة هذا الشعب.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة