ومن الخمسين الأخيرة خرج الوطن واقفًا، لكن على عكازين؛ لم يتحرك بدونهما أو يقف على قدميه إلا فيما ندر، وحين تستدعى الضرورة القصوى.
أما العكاز الأول فكان العسكر بالسلاح، كان الوطن -قبل الخمسين- فتوة، وأصل العكاز كان فى يده "نبوتًا"، حين تحكم العسكر فى شئون السياسة، ولم يكن ينبغى أن يمتهنوها، ولم يكن لديهم ثمة رؤية أو فلسفة أو عقيدة تصلح نظرية لحكم الوطن، لكنهم كانوا وطنيين، مثلوا حلمًا قديمًا طالما اشتاق إليه أبناء الوطن (أن يحكمه مصرىٌ). وتجمدت الحياة السياسية، ولم يستطع العسكر حمل الوطن على عكاز واحد!
وجد العسكر ضالتهم فى الإعلام؛ فكان هو العكاز الثانى الذى –بدوره- وجد الناس -بوطنيتهم وقتها- كأوتار مشدودة؛ فاستغلها، وعزف عليها ما خدر الشعب وأطرب العسكر وأبقاهم حكامًا. وأجريت للوطن عدة عمليات جراحية خطيرة، ولم يكن مريضًا ولم تبدُ عليه علامات ذلك، ولم تكن هناك غرفة عمليات مجهزة ولا أطباء أو جراحون متخصصون؛ كان هناك فقط إعلام أقنع الوطن بأنه مريض ووعده بالشفاء بعد الجروح والجراحات، وبأن "يموت يموت الشعب.. ويحيا الوطن!".
وعلى قمة أطلال الخمسين الغابرة ما زال هناك من يتاجر بالحطام وبالرفات؛ ليهيله على حاضرنا ويحافظ لنفسه على حصة من الظلام، يبيع فيها لنا سرابه، ينسج ثياب النصر لحكام موتى مهزومين، وينزع عن الشهيد المنتصر أكاليل الغار، يفلسف للهزيمة ويتفلسف على النصر، يرتدى قفازًا وقناعًا، وبيده خنجر؛ ومصمم على تجريح حاضر الوطن، مدعيًا أنه طبيب وجراح، و"شاهبندر" أساتذة الإعلام من زمن مضى .. (على عكازين!).
إننا بحاجة لاستنهاض الوطن، بحاجة لنَبوته ولفكره؛ ولن يتسنى لنا ذلك، ما دمنا نختزل النبّوت فى العكاز والفكر فى الأساطير، وما دام
النور حكرًا على المتاجرين به، يقودون الشعب إلى دهاليز النفق
بدلاً من هديه للخروج منه!
وللحديث بقية
