لم يكن فريق الروك الإنجليزى الشهير "كوين" يعلم أن موسيقى أغنيته ذائعة الصيت عالمياً "we will rock you" " ستتحول من كونها أغنية البطولات الرياضية الأشهر، إلى أغنية الثورة التى يتغنى بها الشباب الإيرانى داخل البلاد وخارجها.
" "It's Time to Stand Up – Iran أو "حان الوقت لتنهضى يا إيران"، هى الكلمات التى اختارها هؤلاء لتلهب حماستهم لمواصلة واحدة من أكبر حركات التمرد المفاجئة فى التاريخ الإيرانى منذ الانقلاب الذى أداره الخمينى على ثورة الإيرانيين فى السبعينيات.
تنظيم الإنترنت يدير ثورة شباب إيران:
فيما يتابع العالم بالكثير من الدهشة والترقب تفاصيل المشهد الإيرانى، متسائلاً عمن ورائه، يصنع الشباب الإيرانى شبكة تبدأ من ميدان الحرية الشهير بطهران، وتنتهى على الإنترنت والعكس، تنظم حركتهم خطوة بخطوة، على أنغام
" "It's Time to Stand Up – Iran، بينما تسيطر على وسائل الإعلام الغربية والإقليمية التساؤلات والتحليلات السياسية لظاهرة بدت حتى الآن غير تقليدية، وغير مفهومه. فشباب إيران كفروا بحكم الإصلاحيين، كما كفروا بالمحافظين، ويرون أن استعادة إيران بلدهم لن يتم إلا بنهاية حكم الملالى. "هدفنا تغيير نظام الحكم، وليس رئيس الدولة". خاصة وأن موسوى المهندس المعمارى والرسام والأكاديمى والأستاذ الجامعى ورئيس الوزراء السابق لا يتزعم أى حزب سياسى منظم، وبالتالى فإن إرجاع الفضل لموساوى فى الحركة الحالية فى الشارع الإيرانى أكبر بكثير من دوره الحقيقى. كما اتجهت أنظار أخرى إلى أيادى خارجية تقودها جماعات إيرانية فى الغرب، ومكاتب استخبارات وتمويلات أمريكية فى الداخل، إلا أنها عجزت عن تفسير السبب فى تحول الملايين من الجماهير الإيرانية فى الشوارع لرفع شعار "نريد استعادة بلادنا" بعد أن كان الشعار الأوحد بعد نتيجة الانتخابات المخيبة للآمال هو "نريد صوتنا" فى إشارة إلى اعتقادهم فى تزوير الانتخابات لصالح أحمدى نجاد.
الخمينى شيطان، وخاتمى ثعلب، ونجاد "المسمار الأخير فى نعش حكم الملالى":
وتنتشر على اليوتيوب أغنية لإحدى فرق شباب الراب الإيرانى، بعنوانTarikhe" Ma" أو تاريخنا، يقولون فيها "نحن جيل ما بعد الثورة، صحيح أننا لم نشهدها، إلا أننا أيضاًلم نقرأ التاريخ من الكتب المدرسية التى لا تروج سوى الأكاذيب، فإذا كان الماضى هو النور للمستقبل، فعلينا أن نقرأ التاريخ من كتاب الشرفاء فقط"، وتمضى الأغنية فى حكاية التاريخ الآخر لمرحلة ما بعد الثورة الإيرانية، وحتى وصول أحمدى نجاد للحكم، مروراً بالفترة القصيرة التى قضاها التيار الإصلاحى فى السلطة، تصف كلمات الأغنية الملالى بأنهم جهلاء استولوا على ثورة المقهورين ومحبى الحرية، رغم أنهم كانوا فى الماضين يأتمرون بأمر الشاه.
ويصفون الخمينى بالشيطان الذى كان يعيش فى النعيم خارج البلاد، ثم جاء ليقطف ثمار المناضلين الحقيقيين دون عناء، لتبدأ إيران فى عهده عصر الشادور. تقول كمات الأغنية إن الجيل الحقيقى الذى صنع ثورة إيران لا يزال موجوداً يحاول استخدام القطرة الأخيرة من دمائه فى سبيل الحرية، ولتذهب سلطة الملالى إلى القرون الوسطى. ثم تمضى كلمات الأغنية فى حكاية مراحل التطور السياسى الإيرانى خلال الفترات الأهم فى الثمانينيات، وحتى وفاة الخمينى عام 1989 وكادت كأس السم التى جرعتها الإيرانيون على يد الملالى أن تنتهى فى 1990-1991 إلى أن حرب الكويت أنعشتها من جديد ليأتى رفسنجانى "الكاذب" لسدة الحكم. ثم تنتقل الأغنية إلى العام 1997 فترة حكم خاتمى التى تصفه بأنه "ثعلب جديد بلحية وعمامة يدعى أنه إصلاحى، إلا أن الثعالب لا تلد حمائم"، فشباب الثورة الإيرانية الجديدة لا يؤمنون بالتيار الإصلاحى، ولا يصدقون أنه مختلف عن حكم الملالى. ثم تنتقل الأغنية إلى عهد أحمدى نجاد الذى تصفه بأنه "قرد" سيشهد عهده المسمار الأخير فى نعش حكم الملالى. ليقول الشباب كلمتهم الأخيرة
"يد بيد.. لا تسمحوا لهم بالتنفس، اتحدوا كباراً وصغاراً وضعوا نهاية لحكم الشيطان، هذا هو التاريخ الحقيقى لإيران، المستقبل لنا. سننتصر، سننتصر، سنتصر".
طلقة واحدة قتلت "ندا" إلا أن "ندا" واحدة ستنهى حكم الطغاة:
هكذا يرى الشباب الإيرانى على الإنترنت مستقبلهم، خاصة بعد أن عصف مقتل الفتاة الإيرانية "NEDA" بالغضب فى قلوبهم وأوصله إلى الذروة. وتحولت صورة الفتاة التى تابعت عدسات الكاميرات عينيها المفتوحتين على وسعهما فى لحظاتها الأخيرة إلى قنبلة فى وجه حكم الملالى على الإنترنت، حيث انتشرت النداءات لمستخدمى الفيس بوك، والتويتر لوضع صورتها مكان صورهم الشخصية، كما تحول الفيلم القصير الذى يصور لحظة وفاتها إلى أقوى منشور تحريضى على كل المواقع الإلكترونية، رافعين شعار "ندا ماتت وعيناها مفتوحتان، عار علينا إذا نحن أغلقنا عيوننا".
أيها الجرحى لا تقربوا المستشفيات، فأبواب سفارات أوروبا مفتوحة:
وفيما تشتعل حدة العنف فى شوارع طهران انطلاقاً من ميدان الحرية الشهير "أزاد" يواصل الشباب على الإنترنت تعليماتهم ونصائحهم لبعضهم بعضا، حتى تتمكن ثورتهم من البقاء أطول فترة ممكنة، وحتى وهو الأهم تسفر عن نتيجة ما تعلو إلى مستوى ثقتهم فى حركتهم "يا إيران الحرية قادمة لا محال، فإذا لم تأتِ فجر الغد، فإن موعدها فجر اليوم التالى، أو الذى يليه"، و"سنقاتل حتى ننال حريتنا".
ويوجه الشباب بعضهم بعضا للأماكن الآمنة التى ينبغى أن يتوجهوا لها إذا ما تعرضوا لأية إصابات خلال اشتباكاتهم مع الشرطة، فالمستشفيات الإيرانية كلها أفضل المواقع للاعتقال، وبالتالى فقد نشروا على الإنترنت خريطة كاملة بمواقع السفارات الغربية التى تحولت مبانيها إلى ملجأ آمن للجرحى والمصابين وعلى رأسها سفارة كندا وأستراليا. كما تحولت السفارات أيضاً إلى صيدليات ومراكز طبية توصل الأطباء والأدوية للمنازل بالتليفون. ويقول أحد الشباب الإيرانى على الإنترنت "عار على بلد تتحول فيه سفارات الدول الغربية إلى ملاجئ آمنة بدلاً من المستشفيات".
تسلحوا بأى شىء تطوله أيديكم:
وينشر الشباب على الإنترنت دليلاً مفصلاً بالصور لطريقة التعامل مع قنابل الغاز المسيل للدموع، وكيفية تفادى ضربات قوات الشرطة ومخبريها، وآمن الطرق للبقاء أحياء، وأصحاء، "لا تموتوا أو تعتقلوا هباء" وهم ينصحون رفاقهم بالتسلح بأى شىء تطوله أيديهم. كما يحاول الشباب على الإنترنت الشد من أزر بعضهم بعضا عن طريق استخدام أى حدث من الأحداث لفضح ألاعيب السلطة، حيث لم تدخل عليهم العملية التفجيرية التى نفذها مجهولون قرب ضريح الخمينى "قنبلة ضريح الخومينى مؤامرة من الديكتاتور لتوريطنا، وإدانتنا، لكننا لا نملك القنابل" وأياً كان من نفذ العملية، فإن الشباب على الإنترنت يخشى من أن يسرى الخوف فى قلوب المواطنين من المشاركة فى الأحداث، أو أن تتحول حركتهم السلمية إلى العنف.
الشباب الإيرانى يصنع ثورة جديدة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة