"لم يكن يوم الأحد الموافق الرابع عشر من يونيه يوما عاديا, ليس فى القدس فحسب وإنما فى الأراضى المحتلة بأكملها, حتى وإن اعتاد الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء على ترقب وقوع قتلى أو انفجارات أوعمليات أسر هنا |أو هناك..".
إنما يرجع ذلك إلى الترقب الحذر لدى الجميع داخل الأرض المحتلة والقدس وخارجها, سواء فى العالمين العربى والغربى لخطاب نتايناهو الذى سيعلن فيه سياسته تجاه القدس والاستيطان وحل الدولتين والاعتراف بأحقية الشعب الفلسطينى فى الوجود بالإضافة إلى قضية اللاجئين.
وبين رغبه فى أن تسلك الحكومة المتشددة بقيادة نتانياهو ووزير الحرب ليبرمان مسلكا غير الذى يتوقعه الكثيرون ورهبة من النقيض وقف الجمهوران العربى والغربى يسمع الخطاب الإسرائيلى بإنصات شديد.. عسى أن يأتى بخلاف التوقعات وأن يمد الرئيس الإسرائيلى يده إلى الفلسطينيين بغصن الزيتون الذى جف منذ عقود.
وجاء الخطاب فى جامعة بار إيلان على نحو مغاير وبطريقة أرضت المتشددين الذين انبروا بالتصفيق، وبدت عليهم الفرحة الغامرة من هذه الألغام والرصاصات التى خرجت من فم رئيس الوزراء الإسرائيلى, وافزع العالم المترقب منذ الصباح الباكر لهذه الرسالة التى لم تبقَ ولم تذر شيئا أخضر إلا وقد أهلكته.
الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودى أمر مشروط للقبول بدولة فلسطينية منزوعة السلاح, وأن يترافق مع ذلك اعتراف عربى وفلسطينى على حد سواء لا يفصلهما فاصل.. أما عن قضية اللاجئين فهو أمر خارج نطاق الخدمة الآن داخل إسرائيل وإنما يمكن مناقشته خارجها.
أما الطامة الكبرى برزت فى قوله إن القدس ستظل عاصمة لإسرائيل ووصفها بالقدس الموحدة مع كرم إسرائيلى بأن تكون حرية العبادة مضمونة لكل الأديان. وعندما يقبل القادة الفلسطينيون والعرب بذلك فأهلا ومرحبا.. موضحا أن جذور الصراع تكمن فى الاعتراف العربى بيهودية إسرائيل والأرض الإسرائيلية.
وفيما يتعلق بالمسألة الإيرانية قال نتانياهو "إن الخطر الإيرانى بدا واضحا أمس يقصد فى يوم إعلان نتيجة الانتخابات الإيرانية التى انتهت بفوز نجادى على معارضيه فى الثانى عشر من يونيه الجارى، بكل قوته وبات يشكل ما اعتبره الخطر الكبير على إسرائيل والشرق الأوسط والعالم، والذى وصفه بأنه نتاج لقاء الإسلام المتطرف بالسلاح النووى.
وأشار ببناء ما يسمى بالجبهة الدولية ضد التسلح النووى لإيران، مما يجعلنا نستشعر أن هذه الجبهة ربما أعدت سلفا عقب انتخاب نتانياهو وحكومته المتشددة التى بدت واضحة فى رحلاته خارج إسرائيل أو رحلات من ينوب عنه من حكومته.
اشتدت حمرة الفرقاء الفلسطينيين بأكملهم على حد سواء، فخرج قادة حماس يطالبون العرب والمسلمين عشية الخطاب بردة فعل قوية أمام تصريحات نتانياهو المفجعة والمؤلمة، وشددوا على خيار المقاومة كحل بديل, وقام أعضاء حركه فتح بالضفة الغربية بتوجيه نقد لاذع للخطاب واصفين نتانياهو وحكومته أنها لا تقبل بمبادرة السلام العربية التى طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله, ولا بحل الدولتين التى أيدتها الإدارة الأمريكية الجديدة الداعية لإنهاء التوتر ومحاولة إرساء قواعد الأمن والسلام فى منطقه الشرق الأوسط, ورفض صائب عريقات رئيس دائرة المفاوضات فى منظمة التحرير الفلسطينية ما جاء فى خطاب نتانياهو مؤكدا أن هذا الخطاب أوقف عمليا كل إمكانية للمفاوضات.
ملامح الحكومة الإسرائيلية الجديدة التى انتخبها الشعب الإسرائيلى بدت الآن واضحة للعيان فى كونها تعاند بقوة وبشدة محاولات العالمين العربى والغربى لإيجاد حلا للصراع الفلسطينى الإسرائيلى منذ عقود, ويشتد ساعد هذه الدولة يوما بعد يوم فى ظل انقسام بدا واضحا وبصورة جلية فى ظل التراشقات والحرب المعلنة من قبل حركتى فتح وحماس, وإشهار أسلحة كل طرف فى وجه الآخر وخاصة بعد استأثار حماس بغزة وفتح بالضفة الغربية, ناهيك عن الاعتقالات المتكررة بين بعضهم البعض, والاتهامات المتبادلة بالفساد وأنه المتسبب الأول والأخير فى ضياع الحق الفلسطينى.
طفح الكيل بالجانب المصرى الذى يلعب دور الوسيط فى إنهاء الانقسام بين الطرفين والذى أخذ جولات متعددة فى القاهرة وكلما بدا فى الأفق ملامح الأمل تبددت وبدلت بسحائب سوداء من الفرقة.. ورجعت ريما لعادتها القديمة.
لكن الامر الآن جد خطير وهذه الحرب الطاحنة بين الفريقين على أمتار ودونمات قليلة جدا من الارض الفلسطينية المحتلة المترامية الأطراف, ربما أضحك الإسرائيليين ولسان حالهم يقول دعهم يهرولون ويتقاتلون بأيديهم هم لا بأيدينا.
لابد أن تسفر الجولة النهائية فى القاهرة فى الأيام القادمة عن حل سريع وعاجل لا يقبل المراجعات وأن يتنازل كل طرف للآخر وأن يعوا أنهم إخوة فى الدين والدم والأرض ولطالما عانيت ذلك مرارا وتكرارا حينما أذهب إلى فندق سيتى ستارز بمصر الجديدة حين عوده الفصائل من لقاء السيد عمر سليمان رئيس المخابرات المصرى لمعرفة النتيجة النهائية لهذه اللقاءات وعما ستؤول إليه ولكن على مدار شهور عدة غالبنا اليأس نحن وزملاءنا المراسلين والصحفيين للنتيجة التى أصبحت مقدرة سلفا.. فشل الحوار.. وإلى متى؟..
اللحظه الراهنة فارقة وشديدة الحساسية من ذى قبل, يجب أن يعى كل طرف لهذا الأمر وأن يفهم كل فصيل ذلك جيدا.
فهل ينهى خطاب نتانياهو الانقسام الفلسطينى ويعمل على توحيد الفرقاء والصف الفلسطينى لمواجة أسوأ حكومة إسرائيلية عرفتها الأرض المحتلة.. أم يظل الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر الذهاب إلى مزبلة التاريخ.