عندما كنت طفلا صغيرا أحضر لنا أبى تلفزيونا ملونا، وأتذكر أننى أول شىء شاهدته كان عالم السيرك البرنامج الأوروبى الشهير، وكان يقدم العرض رجل معه خمسة كلاب صغيرة، وكان الرجل يحمل معه مجموعة من الأطواق الصغيرة، وبدأ العرض برفع أحد هذه الأطواق عن الأرض بمقدار عشرين سنتيمتراً تقريبا، وتتابعت الكلاب بالقفز من خلال الطوق أو الحلقة، وظل يرفع الطوق تدريجياً حتى أصبح ارتفاعه مترا أو أكثر، وكان الجمهور يصفق فى بهجة ويطلقون صيحات الإثارة وهم يشاهدون الكلب الصغير وهو يجاهد من أجل بلوغ الطوق المرتفع، واستمر العرض وأصبحت الكلاب تقفز عبر مجموعة من الأطواق ومن مختلف الزوايا، وكانت تجرى فى دوائر، وكان على هذا الكلب الصغير أن يتصرف كالجان حتى يقفز عبر الأطواق، وعندما اقترب العرض من الانتهاء وصارت الأطواق عالية جدا ومرتفعة، رأيت أصغر الكلاب وهو يقفز لأعلى ويتشبث بالطوق، وهو يحاول أن يلتوى بجسده ثم ينجح فى القفز من الطوق، لقد بلغ بى الأمر أن شعرت بالأسى على تلك الكلاب المسكينة، وخاصة هذا الصغير الذى حاول لإرضاء مدربه.
وبعد أن كبرت وسافرت إلى دول عديدة وجدت أن هذا الأمر يحدث معى.. مرة أجد نفسى ألعب دور أحد هذه الكلاب، وخاصة دور الكلب الصغير، ووجدت نفسى أقفز من خلال هذا الطوق الصغير بشكل مستمر لإمتاع الآخرين وإرضائهم، وأستشف أشياء من تعبيرات وجوههم، وأصبح على يقين أنهم لا يشعرون بالرضا لمجرد أن رأيت على وجوههم شيئاً من العبوس ولو قليلاً.. وأخيراً اكتشفت أننى أستشف مدى نجاحى من خلال ما يرتسم على وجوه الآخرين بدلا من أن أنظر فى أعماقى لكى أحدد إذا كنت أشعر بالنجاح أم لا.
وعرفت أن القفز عبر الأطواق يحدث نتيجة لأننا نتبنى طريقة غير مثمرة فى التفكير تنافى السيطرة الشخصية .. وهذه الطريقة التى نتبناها توهمنا بأن قيمة ذاتنا لا يمكن أن تحدد إلا من خلال أعين الآخرين، ولسوء الحظ فإن الكثيرين منا يتعلقون بهذه الطريقة فى أوقات الشك والعجز عن اتخاذ القرار، ونفعل ذلك ونحن مقتنعون بأننا لا يمكن أن نكون ناجحين إلا عندما يستحسن مديرنا فى العمل أو أحد العملاء أو المرضى أفكارنا وأفعالنا.
المشكلة هى أنك لا تستطيع أن تحقق السيطرة الشخصية لنفسك عندما تنظر إلى الأشياء على هذا النحو لأنك "بعت" نفسك لشخص آخر، وعندما تقفز عبر الأطواق تكون بهذه الطريقة قد تخليت عن سيطرتك، كما يتضح من المثال الذى ضربته فى الأول.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة