فى عام 1995، استضاف فندق مينا هاوس جلسة مباحثات بين ممثلين عن اليسار الإسرائيلى وممثلين عن السلطة الفلسطينية تحت شعار "مدينة واحدة لشعبين"، كان الغرض منها بحث مستقبل مدينة القدس بشكل غير رسمى، وإمكانية أن تكون مدينة واحدة مفتوحة لشعبين يعيشان فيها معا بسلام.
كنت الصحفى المصرى الوحيد الذى ذهب لتغطية الجلسة التى حضرها من الجانب الإسرائيلى الوزير يوسى بيلين والصحفى يورى أفنيرى أحد قادة حركة السلام الإسرائيلية، وعقب انتهاء الجلسة عقد الفلسطينيون والإسرائيليون مؤتمراً صحفياً مشتركاً، حرصت خلاله على عدم توجيه أية أسئلة للإسرائيليين والاكتفاء بالفلسطينيين.
وبعد انتهاء المؤتمر، خرجت إلى بهو الفندق لأجد رضوان أبوعياش الذى كان رئيساً لهيئة الإذاعة والتليفزيون الفلسطينية يجلس مع أفنيرى، فرفضت الذهاب إليهم، فنادى على أبو عياش قائلا "إنه يورى أفنيرى أحد رموز السلام فى إسرائيل"، لكننى لم أستطع الاقتراب واعتذرت عن الدعوة وانصرفت.
أعرف يورى أفنيرى جيداً من خلال كتاباته، وكنت أتابعه لسنوات، خاصة وأنه كان ولا يزال يؤمن بأفكار متقدمة، منها إقامة دولتين لشعبين، لكن حتى هذه الرؤية والمعرفة العميقة بالطرف الإسرائيلى منعتنى من الجلوس معه، لسببين، الأول أنه إسرائيلى ولم أتصور فى يوم من الأيام أنه يمكن أن أتجاذب أطراف الحديث مع أى إسرائيلى بسهولة، خاصة وأننى عشت حربى يونيو 1967 وأكتوبر 1973، وعرفت معنى احتلال الأرض وأن يضحى أقاربك ومعارفك بأرواحهم فى سبيل تحرير الأرض.
والثانى أن هناك قراراً من الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين بمنع كل أشكال التطبيع مع إسرائيل، وبما أننى عضو فى هذه النقابة، فيجب علىَّ احترام قرار الأغلبية والالتزام به.
لكن بعد هذه السنوات الطويلة لا يزال الحديث عن التطبيع مع إسرائيل مبهماً ويحتاج إلى الكثير من التوضيح، فهل حضور صحفى مصرى فى مؤتمر أو لقاء صحفى يوجد فيه صحفى إسرائيلى هو نوع من التطبيع أم لا؟
وهل ذهاب الصحفيين المصريين إلى الأراضى الفلسطينية والحصول على تأشيرة دخول إسرائيلية والمرور عبر الحواجز الأمنية الإسرائيلية تطبيع أم لا؟
وإذا حضر صحفى فى لقاء أو مؤتمر يشارك فيه إسرائيليون هل يعد هذا تطبيعا؟.. وهل مطلوب منه التزام الصمت وعدم توجيه أسئلة للمسئولين الإسرائيليين؟.. وهل من يفعل ذلك يكون مطبعا أم لا؟
نعم لدينا قرار ملزم من نقابة الصحفيين بمنع كل أشكال التطبيع مع إسرائيل، لكن هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى إجابات، وتحتاج أيضاً من الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين الكثير من التفسير، لأن التطبيع كما أعتقد هو إقامة علاقات طبيعية، بينما الكثير من العمل الصحفى لا يصل إلى العلاقات الطبيعية ولا يعد تطبيعاً.
وإذا كنت أسجل التزامى الكامل بقرارت نقابة الصحفيين، باعتبارى عضواً فيها، عليه الالتزام الكامل بقراراتها متى صدرت عن الجمعية العمومية للصحفيين، فإننا نحتاج إلى مناقشة واضحة ومفصلة، لنقول هذا تطبيع وذلك غير تطبيع، لأننا حتى هذه اللحظة نتعامل على طريقة تجنب الشبهات، ونفتح المجال للكثير من اللغط فى أمور تستدعى الحسم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة