أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد صلاح العزب

أكبر من رئيس الجمهورية بسبع سنوات

السبت، 20 يونيو 2009 06:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لأنه من مواليد 1921، فهو يعرف كل شىء عن الثورات والحروب، عاش أزمنة الاحتلال والملكية والجمهورية والوحدة وفك الوحدة ثم زمن الحزب الوطنى ولجنة السياسات، لكنه فى كل هذا كان يعطى ظهره لما يحدث، يدور بدراجته النصر الـ32، يحمل على جانبيها قسطى اللبن، فوقهما الصندوق الخشبى الملىء بالزبادى، وينادى بصوته المرتفع الذى يشبهه صوتى: القشطااااااااااااة.

أتكلم عن جدى العزب الذى كان حتى أسبوعين يعيش بمفرده رغم سنواته التى اقتربت من التسعين، يطبخ ويغسل وينظف الشقة ويمشى فى الأسواق، لكنه سقط منذ أسبوعين، فلم يعرف أن أوباما جاء إلى مصر، ولا أن أنفلونزا الخنازير استوطنت القاهرة والإسكندرية، ولم يفكر فى مصير نظام الثانوية العامة الجديد، ولا فى كوتة المرأة فى مجلس الشعب.

سقط جدى العزب وحيدا فى شقته الصغيرة بإمبابة، وحين كسروا عليه الباب وجدوه معلقا بين السرير والأرض، وقد فقد القدرة على الحركة والكلام.

فى 2005 أيام انتخابات الرئاسة كان مريضا، أجرى أكثر من جراحة، جلست معه، وسألته حين كان التلفزيون يذيع الدعاية الانتخابية للرئيس: تفتكر إنت أكبر من حسنى مبارك بقد إيه؟
فقال: ييجى بتلاتين سنة.
قلت له: إزاى بقى؟
قال: إنت مش شايف هو عامل ازاى وأنا عامل ازاى؟
وحين أخبرته أن الفرق بينهما سبع سنوات فقط، تعجب جدا وقال: العز بقى.

يعيش حاليا فى العناية المركزة، لا يتكلم ولا يتحرك، يتغذى من خلال الأنابيب.
سألته وقتها: طب وانت ايه رأيك فى حسنى مبارك يا جدى؟
قال: راجل كويس، بصراحة كلهم كويسين وما يتخيروش عن بعض إن كان عبد الناصر ولا السادات ولا مبارك.

كلمت أمى فى التليفون منذ يومين، كانت تبكى، فقلقت، سألتها: فى إيه؟
قالت: عمتك جت النهاردة وجابت الكفن، قالت لأبوك: خليه عندك، انت هتتحرك أسرع منى.

كان جدى يبيع اللبن والزبادى كعمل أساسى، لكنه عمل فرانًا فى بعض الأحيان، وحين شارف على الستين كان أعمامى قد سافروا إلى الخليج، وأصبحوا يرسلون له مرتبا شهريا فتقاعد عن العمل، ليتفرغ لسماع إذاعة القرآن الكريم ونشرة 9 بالقناة الأولى، ويولى اهتماما خاصا بالنشرة الجوية، رغم أنه لم يتخل عن طقم الكلسون الصوف صيفا أو شتاء.

منذ فترة كنت قد قررت أن أجمع مقالاتى فى كتاب، وفكرت فى أن أضع على غلافه صورتى وصورة أبى وصورة جدى متجاورة، وأكتب تحت كل منها اسم صاحبها، مع سهم صغير يربط بين اسم كل واحد وصورته.

زرته منذ شهر ونصف تقريبا وقلت له: أنا عاوز أصورك يا جدى.
ابتسم فى خجل، وقال: ما خلاص بقى هتصور فيا إيه؟
قلت له: لأ، أنا لازم أصورك وأحط صورتك على كتاب وأخليك مشهور.
كان يرتدى جلباب كستور مخططا وطاقية بيضاء، ولحيته طويلة، ابتسم فرحا وقال: لو كده بقى اصبر عليا لما أحلق دقنى وألبس حاجة كويسة كده وأروق نفسى.

ثم جاءنى التليفون من والدى: جدك فى العناية المركزة، تعال بسرعة.
أغلقت الخط وقلت لنفسى: بقى هو ده الترويق يا حاج عزب؟








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة