خرجت تصريحات د.إيهاب فوزى، سفير مصر بالنمسا التى تناقلتها وكالات الأنباء، لتؤكد أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أبلغت مصر رسميا بإغلاق الوكالة الدولية، لبعض النقاط والملاحظات التى كانت محل بحث من قبل مفتشى الوكالة، لتبدو أن أزمة المواد المشعة التى أشار إليها تقرير د. محمد البرادعى السرى لمجلس محافظى الوكالة، والذى سربته وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية، قد انتهى، وأفلتت مصر من فخ العقوبات الدولية التى حاول نائب رئيس الوكالة الدولية جرها إليها، متذرعا بآثار اليورانيوم المخصب التى لم يحسم أمرها حتى الآن.
المفاجأة أن تصريحات سفير مصر بالنمسا لا تعنى غلق ملف اليورانيوم المخصب، لكنها فقط تشير إلى حسم أمر بعض الملاحظات والنقاط التى توقف عندها مفتشو الوكالة، بخصوص أنشطة إشعاعية بسيطة تم رصدها فى عامى 2004 و2005، بمفاعل أنشاص البحثى، وأرسلت هيئة الطاقة الذرية ردا بخصوصها، لكن هذه النقاط التى أخطرت الوكالة الدولية مصر بإغلاق ملفها اليوم، لا علاقة بها بما سربته الصحف الأمريكية والإسرائيلية، حول تأكيد تقرير مجلس محافظى الوكالة رصدا آثار يورانيوم مخصب بالمفاعل البحثى بأنشاص، خلال عامى 2008 و2009، وهو الجانب الأخطر، الذى يمثل تهديدا لأنشطة مصر النووية مستقبلا، بحسب د.يسرى أبو شادى، كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيس قسم الضمانات السابق بالوكالة.
أبو شادى أشار إلى أن ملاحظات الوكالة التى تم تسريبها تضمنت جزأين، أحدهما متعلق بـ "أنشطة إشعاعية زائدة" ناتجة عن تعامل مع مواد مشعة، رصده مفتشو الوكالة فى عامى 2004 و2005، فى المفاعل البحثى بأنشاص، وأكد أن هذا النشاط بسيط، ويمكن رصده فى أى مكان يتعامل مع أجهزة لها علاقة بالإشعاع، مثل أجهزة الأشعة العادية فى المستشفيات، وأكد أبو شادى أن الجزء الثانى والأكبر ملاحظات الوكالة فى التقرير وهو الخاص باكتشاف آثار يورانيوم مخصب خلال عامى 2007 و2008، وهو ما لم تحسمه الوكالة اليوم، عندما أخطرت مصر رسميا بإغلاق ملف بعض النقاط والملاحظات التى تضمنها التقرير الذى تم تسريبه، على العكس جاء التقرير فضفاضا فى هذه النقطة، وأرجأها لمناقشتها مع مفتشى الوكالة الذى يقومون بالتفتيش على المنشآت النووية بشكل روتينى، وهو ما يعنى أن الملف الأخطر لم يغلق بشكل نهائى.
الكلام السابق تدعمه بشكل غير مباشر تصريحات السفير إيهاب فوزى، سفير مصر بالنمسا، صباح اليوم حول التنسيق بشأن عينات "اليورانيوم المخصب" التى أشار إليها التقرير، بين مفتشى الوكالة الدولية ومصر لاحقا، وهو ما يعنى أن ملف "اليورانيوم المخصب" ما زال مفتوحا، وأنه يمكن أن يعود بشكل أعنف فى الفترة القادمة، خاصة وأن تقرير الوكالة الدولية الأخير خرج بهذا الشكل، وبهذه الملاحظات، وتم تسريبه رغم وجود د. محمد البرادعى على رأس الوكالة، وهو ما يشير إلى سيناريوهات أشد قتامة بعد انتهاء فترة رئاسة البرادعى للوكالة وخروجه منها خلال أشهر قليلة.
السيناريوهات القاتمة بدأت بالفعل، بعد تسريب التقرير الأخير، حين طالب أعضاء الكونجرس الأمريكى، بتشديد الرقابة على الأنشطة النووية لمصر، فضلا عن مطالبات نائب رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية المتشدد تجاه مصر، بتحقيق موسع بشأن عينات اليورانيوم التى ما زال أمرها معلقا، وهذا النائب، بحسب ما أكدته مصادر خاصة، من أقرب المرشحين لخلافة البرادعى فى رئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
يضاعف من فرص حدوث هذه السيناريوهات تعامل الجانب المصرى مع تقارير الوكالة على أساس سياسى، يمكن المفاوضة بشأن تأجيلها، أو إغلاقها بأقل الخسائر، بدلا من التعامل معها فنيا، عن طريق خبراء الطاقة الذرية، لدحض الاتهامات الغربية حول الأنشطة النووية المصرية بشكل قاطع، ومن ثم غلقها نهائيا، وهو ما يؤكده اضطلاع سفارة مصر بالنمسا بالرد على تقرير الوكالة الأخيرة، بدلا من إسناد تلك المهمة إلى هيئة الطاقة الذرية، وهى سياسة إن استمرت، قد تدخل مصر إلى قائمة الدول المهددة بالعقوبات الدولية، بتهمة القيام بأنشطة نووية محظورة رغم عدم وجود دلائل على ذلك وهو السيناريو الذى حدث فى العراق، ويجرى التحضير له فى سوريا الآن.
ملف "اليورانيوم المخصب" لم يغلق.. ومخاوف من تصعيد جديد ضد مصر بعد خروج البرادعى من "الوكالة"
الخميس، 18 يونيو 2009 10:33 ص