بعد عدة أيام من إعلان نتائج الانتخابات الإيرانية، لا يزال المعسكر الإصلاحى مصرا على عدم التنازل عن موقفه. فهل يمكنه كسب هذه المواجهة؟ فى قراءة تحليلية لنتائج الانتخابات الإيرانية التى أثارت جدلا واسع النطاق، وترتبت عليها الأحداث المؤسفة التى تشهدها البلاد الآن، حاولت صحيفة "ليبراسيون" الإجابة على عدة تساؤلات طرحتها بهذا الصدد، ذاهبة إلى أن تنظيم عملية التلاعب فى الانتخابات كانت تهدف فى البداية إلى إنقاذ سلطة المرشد الأعلى المطلقة.
هل شهدت الانتخابات حقا عملية تزوير..وما مداها؟
تقول الصحيفة إن الإعداد للتزوير كان قد سبق الانتخابات بفترة طويلة فمنذ انتخابات ديسمبر 2006 فى الانتخابات البلدية ومجلس الخبراء، وهو واحد من أهم المؤسسات فى الجمهورية الإسلامية، التى لم تأت فى صالح أنصار أحمدى نجاد، ظل هذا الأخير من يومها متيقظا ومستعدا للرد على أى هجوم. ومن ثم فقد كان يتوقع، على ما يبدو، خسارته فى الانتخابات الرئاسية. حتى أن استطلاعات الرأى الآيرلنية قد توقعت خسارته فى الانتخابات، عدا استطلاع أمريكى توقع فوزه على نطاق واسع.
ووفقا لمعلومات تم تجميعها فى وزارة الداخلية، فقد تم استبدال بعض الموظفين المسئولين عن جمع نتائج الاقتراع يوم الانتخابات بعناصر الباسيدج (الميليشيات الإسلامية). يشير الباحث ميشيل ماكينسكى "أن هذا التزوير هو نتيجة خطة متطورة جدا تم الإعداد لها منذ فترة طويلة بواسطة خارطة طريق خاصة".
ووفقا أيضا لمعلومات تم تسريبها من وزارة الداخلية، فإن النتائج الحقيقية للمرشحين تختلف اختلافا جذريا عن تلك التى تم الإعلان عنها رسميا : فقد تصدر الإصلاحى مير حسين موسوى أسماء المرشحين بـ19 مليون صوتا من 42 مليون ناخب، والثانى كان المرشح الإصلاحى مهدى كروبى، الذى حصل على 13 مليون صوتا، فى حين لم يأت أحمدى نجاد سوى فى المرتبة الثالثة بواقع 5.7 مليون صوت. وبالتالى كان ينبغى إجراء جولة ثانية من دون وجود هذا المرشح الأصولى.
ماذا كان دور المرشد على خامنئى؟
ترى الصحيفة أنه على ما يبدو كان خامنئى على استعداد لقبول فوز موسوى. غير أنه من المحتمل أن يكون أحمدى نجاد هو من أقنعه بقبول عملية التلاعب فى الانتخابات التى قام بتزويرها بنفسه، موضحا له أن المرشحين الاثنين الآخرين يأملان فى الحد من سلطته المطلقة.
هل تشهد إيران الآن بوادر ثورة؟
تذكر الصحيفة أنه قبيل الانتخابات، حذر يد الله جفانى، قائد الحرس الثورى الإيرانى، من خطورة ميلاد "ثورة مخملية" مماثلة لتلك التى انتصرت فى النهاية على الشيوعية فى تشيكوسلوفاكيا. ولكن حتى الوقت الحاضر لم يطالب المعسكر الإصلاحى إلا باحترام قرار الناخبين، كما أنه لم يشكك فى أى وقت من الأوقات فى شرعية النظام الإسلامى. فبعد انتهاء الانتخابات، أراد المرشحان الإصلاحيان على الفور مقابلة المرشد الدينى الأعلى.
ولكن إذا كان القادة الإصلاحيون يقومون بتوحيد جميع معارضى أحمدى نجاد، فإن نسبة كبيرة من الشباب يرغبون فى الذهاب إلى أبعد من ذلك، ويشككون فى القيم الإسلامية، رغبة منهم فى حياة أكثر حرية وأكثر انفتاحا على الغرب، أى حياة غير مسجونة داخل المحظورات. ويبقى العائق الرئيسى أمام هذا الشباب الطليعى، أنه لا يمتلك منظمة، ولا حتى سرية. فضلا عن أن الحركة الإصلاحية، التى تشهد هى نفسها انقسامات بداخلها، ليس لها أحزاب حقيقية لتمثيلها، إلا اتحاد للطلبة. وذلك فى الوقت الذى يتمتع فيه أنصار محمود أحمدى نجاد بتنظيم أفضل بكثير.
وماذا يمكن أن تفعل السلطة؟
بالطبع هناك اليوم معسكران فى إيران. ولا تعنى هزيمة أحمدى نجاد أنه لا يملك قاعدة انتخابية، خاصة وأنه قد قام قبل الانتخابات بتوزيع أموال ضخمة على الناخبين، فضلا عن أن جانب من الإيرانيين يتأثرون بالشعارات الوطنية والقومية، كما أن نحو مليونى من الباسيدج يقفون وراءه.
فى الوقت الذى يحرص فيه المعسكر الإصلاحى كل الحرص على تجنب اندلاع صراع راديكالى. خاصة وقد أصبح لهذا المعسكر قائد حقيقى، وهو حسين موسوى الذى يتميز بحسن التخطيط والتصميم والعناد.
وقد طلب خامنئى من موسوى تهدئة الشارع الإيرانى، ولكن دون جدوى. فعلى الرغم من أن النظام كان يتوقع اندلاع المظاهرات بعد إعلان النتائج، إلا أنه لم يكن يتوقع أن تأخذ هذا المنعطف الواسع. ويلاحظ فى المقابل أن الحرس الثورى، لم يتدخل لتعزيز الموقف. هل يرجع ذلك إلى أنهم تركوا هذا العمل البسيط للباسيدج وأجهزة الاستخبارات؟ أو لأنهم هم أنفسهم منقسمون، حيث إن بعض الضباط مقربون من موسوى، الذى كان رئيس الوزراء خلال فترة الحرب الطويلة بين العراق وإيران.
ماذا يفعل رجال الدين؟
يلتزمون الصمت ويتشاورون فقط، خاصة داخل مجلس الخبراء والحلقات الدراسية فى مدينة قم المقدسة. وذلك لأنه فى واقع الأمر يؤدى المرشد الأعلى الدور الأساسى فى هذا النطاق. وقد طرح المرشحون الإصلاحيون خلال الحملة الانتخابية مسألة الحد من سلطته المطلقة، على الأخص خلال المناظرات التلفزيونية. وهنا يكمن الرهان الحقيقى للانتخابات. وهو الأمر غير المقبول على الإطلاق بالنسبة للمرشد الأعلى.
