لعلك قرأت الحوار المطول التى أجرته جريدة المصرى اليوم مع وزير الصحة حاتم الجبلى منذ شهر تقريباً حول موضوع أنفلونزا الخنازير.. كان الرجل صريحا تماماً عندما أعلن أن أنفلونزا الخنازير سوف تدخل مصر قريباً وأننا سنضرب لخمة فى البداية، ثم أكد على أن الوزارة أعدت خطة بالاشتراك مع عدة وزارات أخرى لمواجهة هذا المرض.
أحترم صراحة الرجل الذى لم يفعل مثلما يفعل بعض المسئولين الآخرين عندما تواجه مصر أى مشكلة فيخرجون ليؤكدوا أن كل شيء تحت السيطرة، ثم تفاجأ بعدها بأيام (إن لم يكن بساعات) أن هذه المشكلة التى كانت تحت السيطرة أصبحت خارج السيطرة. وهناك واقعة طريفة ومؤلمة فى نفس الوقت تؤكد ذلك.. عندما خرج وزير الصحة المصرى فى أوائل القرن العشرين ليؤكد أن مصر خاليه تماماً من مرض الطاعون وبعدها بعدة أيام توفى الرجل من الطاعون ذات نفسه.
أؤكد لك أيضا أن مرض أنفلونزا الخنازير ليس بالخطورة التى تتخيلها، ويمكن بنظرة بسيطة معرفة أن عدد الحالات التى توفت من المصابين بمرض أنفلونزا الخنازير هو عدد ضئيل جدا على مستوى العالم، وأنه لو تم اكتشاف الحالة فى البداية ستكون نسبة الشفاء مرتفعة للغاية، وبإتباع بعض الخطوات البسيطة مثل غسل اليدين باستمرار وتجنب القبلات بين الأصدقاء وتجنب الأماكن المزدحمة والكشف الفورى عند الشعور بأى أعراض للسخونة أو الرشح واستخدام الكمامة وقت اللزوم.. كل هذه الخطوات سوف تقلل بإذن الله من احتمالات تعرضك للمرض.
سيسألنى أحدكم الآن: مادام كل شيء تمام وأن وزير الصحة رجل صريح وجيد من وجهة نظرك، وأن المرض بسيط ويمكن تجنبه بسهولة.. قارف دماغنا ليه بقه يا أخى وكاتب النوت دي؟.. هل تريد أن تنافق الحكومة وتوالسها مثلما يفعل رؤساء تحرير الصحف الحكومية؟ أم أنك ستقول لنا فى النهاية إنك انضممت للحزب الوطنى مقدماً فروض الولاء والطاعة لعلهم يساعدوك هناك فى إيجاد وظيفة تستطيع أن تنهبلك منها كام باكو كل شهر.
حاشا لله أن أنافق الحكومة.. وحاشا لله أن أنضم للحزب الوطنى.. فالانضمام له ذنب (سياسي) ولو تعلمون عظيم.. أنا أكتب فقط لكى أحذرك من اللخمة التى ستضربها مصر.. ولكى أحذرك من عواقب ظهور أنفلونزا الخنازير فى مصر وليس من الأنفلونزا ذات نفسها.
فقد نشرت "اليوم السابع" خبرا عن تفكير الدولة فى إغلاق مترو الأنفاق خلال تلك الفترة.. مرة أخرى أنا غير معترض على هذه الخطوة فهى سليمة تماماً تجنباً للازدحام.. ولكنى أحدثك عن تبعاتها .. فنحن والحكومة سندفع ثمن الذنب الذى اقترفناه فى حق شوارع مصر منذ عشرات السنين وهو الازدحام المرورى.. سندفع ثمن رغبة بعض الأشخاص فى الفشخرة أمام أهلهم وأصدقائهم فقاموا بشراء سيارتين وثلاثة يستخدمونها فى تنقلاتهم حتى لو كانت المسافة التى يقطعونها كالمسافة من باب الجامعة الرئيسى وقبتها، سندفع ثمن تغاضى الحكومة عن تحويل الجراجات فى مداخل العمارات إلى محلات يتوقف أمامها ثلاثة صفوف من السيارات، سندفع ثمن تغاضى الحكومة عن إقامة وسائل مواصلات آدمية للمواطنين تغنيهم عن استخدامهم لسياراتهم فى الرايحة والجاية، سندفع ثمن عدم توسع الحكومة فى الصحراء وبناء مدن جديدة لتقليل التكدس المرورى فى العاصمة.
بكلمك جد والله، تخيل معى توقف المترو الذى يستخدمه حوالى 2،5 مليون راكب يوميا.. تخيل لو هذا الكم من البشر انتقلوا من تحت الأرض لفوق الأرض.. المشوار الذى كنت تأخذه فى ساعة ستأخذه فى 3 ساعات، وستتوقف الحياة تماما فى مصر أكتر ما هيه واقفة.
ولعلك لاحظت أيضا العمليات المستمرة من الحكومة فى التخلص من الخنازير.. ولكن لم يخطر ببالك قط أن هناك بعض البائعين التى انعدمت ضمائرهم سيأخذون هذه الخنازير ويحولونها إلى لحوم تباع فى الأسواق ويأكلها الناس ولا كأن فى حاجة.. مرة أخرى سندفع ثمن التغاضى عن الفهلوة والغش الذى نراه يوميا فى أسواقنا وتعاملاتنا، وعندما تعلن غضبك من أن أحد البائعين قام برفع سعر إحدى السلع من نفسه كده أو أنه يقدم سلعة مغشوشة أو منتهية الصلاحية.. فلن تعدم أن تجد أحدهم يخبرك بكل بساطة "يا عم حرام عليك.. يعنى أنت سايب الحرامية الكبار ومسكت فى الغلابة دول اللى عايزين يسترزقوا".
أظن أن أحدكم الآن سوف يخبرنى: يعنى أنت كاتب الموضوع ده علشان تقولنا على الزحمة اللى حتزيد ولحمة الخنازير اللى حتتباع فى السوق، يعنى أنت كاتبه من الآخر علشان تكئبنا.
حاشا لله مرة أخرى أن يكون هدفى من كتابة هذا الموضوع هو اكتئاب سعادتك..لأن حضرتك مكتئب خلقة، أنا كتبت كل هذا فقط لكى أسألك: ما تعرفش وحياة والدك ألاقى فين عربية كبدة وسجق ماتكونش بتستخدم لحمة خنازير؟؟؟؟؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة