د. محمد سيف

أنفلونزا الخنازير... والواقع المرير

الخميس، 18 يونيو 2009 06:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما كادت أنفلونزا الخنازير أن تحل ضيفا ثقيلا على مصر حتى أعلنت منظمة الصحة العالمية أن وباء أنفلونزا الخنازير H1N1 أصبح وباء عالميا، وكأنه كان ينقصنا حلول هذا الغريب كما حل من قبل أخوه أنفلونزا الطيور H5N1 منذ ثلاثة أعوام، ولكنه أبى الرحيل نظرا لما وجده من ترحاب من قبل مصرنا المضيافة - حكومة وشعبا ـ لما هو معروف عنها حسن الضيافة لكل ما هو غريب حتى ولو كان أنفلونزا الطيور أو أنفلونزا الخنازير، ولكن الأمر فى واقعه مرير... لماذا؟

لأننا فوجئنا بالإعلان عن أنفلونزا الطيور فى مزارعنا وبيوتنا فى قلب محافظات مصر من دون إذن ولا نذير، وكان الأولى أن يكون ذلك فى محافظات الحدود أو أن يكون من خلال رصد الطيور المهاجرة ولكن أى من ذلك لم يحدث، إذن فعملية الترصد الوبائى للمرض كانت نتيجتها صفرا، وكذا الحال فيما يتعلق بموضوع أنفلونزا الخنازير فإن أول مريضة ظهرت عليها الأعراض قبل قدومها إلى مصر بثلاثة أيام وكان الأولى بدلا من صعودها إلى متن الطائرة وهى مصابة أن يتم اكتشاف الحالة ومنعها من الركوب ولكن الأغرب من ذلك وهو أن الركاب الذين كانوا معها فى الطائرة تمت مغادرتهم إلى بيوتهم بدلا من الحجر الصحى عليهم حتى يتم التأكد من خلوهم من المرض، ومرجع ذلك أن اكتشاف حالة الطفلة المصابة تم بعد عملية المغادرة للركاب، ثم كانت المفاجآت تباعا اكتشاف حالات فى قلب القاهرة وفى الإسكندرية، ولم يتم ذلك فى الموانئ والمطارات، إذن فأين عملية الترصد الوبائى للمرض؟ فقد كان من الضرورى خضوع كل القادمين من الدول المتفشى فيها الوباء للحجر الصحى لفترة مناسبة للتأكد من خلوهم من المرض قبل دخولهم إلى البلاد، هكذا فعلت كثير من البلدان لتقليل مخاطر تفشى الوباء، كذلك فإن الإجراءات الاحترازية من عدم الاحتكاك بين العاملين فى الموانئ والمطارات مع هؤلاء القادمين من البلاد الموبوءة إلا بضوابط محددة، أمر يحتاج إلى إعادة نظر ومراجعة.

إنه ومنذ ظهور أنفلونزا الطيور ليس لدينا معمل مرجعى معترف به عالميا لتأكيد الإصابة بالمرض إلا معمل (النامرو) التابع للبحرية الأمريكية الموجود بالعباسية، وكذا الحال بالنسبة لأنفلونزا الخنازير، ولم يكن هناك غير معمل واحد يقوم بأعمال التشخيص المبدئى وهو معمل أمراض الدواجن بمعهد بحوث صحة الحيوان، كذلك فإننا حتى الآن لا ننتج المواد المشخصة للمرض بل لازلنا نستوردها من الخارج، وكان الأولى أن ننتجها محليا وكذا الحال بالنسبة للمواد المشخصة لأنفلونزا الخنازير فإننا نستوردها من الخارج. أضف إلى ذلك أنه تم حذف الجامعات من معادلة التعامل مع أنفلونزا الطيور ومحاولة إيجاد حلول عملية لمقاومة المرض أو حتى على الأقل المشاركة فى عملية التشخيص ونخشى أن يتكرر الأمر بالنسبة لأنفلونزا الخنازير.

لقد حضر مرض أنفلونزا الطيور إلى مصر من غير أن يكون هناك تجهيز للتحصينات الواقية من المرض فى الدواجن بل ظل المرض لمدة عشرين يوما حتى تم جلب التحصينات بعد أن تمكن المرض من حالة التوطن فى مصر، وحتى الآن ما زلنا نعتمد على التحصينات المستوردة على الرغم من مرور ثلاث سنوات ونصف على ظهور المرض، وكذا الحال فقد قمنا باستيراد 2.5 علبة تاميفلو لعلاج 2.5 مليون شخص للتصدى لمرض الأنفلونزا، إذن فماذا سيحدث إذا زادت حالات الإصابة لا قدر الله عن ذلك؟ فإن تجربة أنفلونزا الطيور وعدد الإصابات البشرية والبؤر المصابة والتى جعلتنا نبلغ المرتبة الثالثة عالميا تنبئ باحتمال حدوث ذلك، نظرا لاضمحلال الثقافة الصحية لدى المجتمع فى كيفية التعاطى مع تلك المشاكل الصحية، ونتيجة لضعف مستوى الجهاز المناعى للناس نظرا لتعرضه لقدر غير مسبوق من التلوث الذى نجده فى طعامنا الذى نأكله وشرابنا الذى نشربه وهوائنا الذى نتنفسه.

إذن فمتى يمكننا أن نصنع هذا الدواء؟ وأن ننتج التحصين اللازم ضد المرض محليا؟ أم سنظل نستهلك التكنولوجيا التى ينتجها الآخر ولا ننتجها!! .ولازالت الأسئلة تتوالى تباعا.. كم تم تجهيزه من الأقنعة الواقية والمواد المطهرة؟ وما هى الترتيبات الخاصة باستخدام المواد المطهرة؟ أنه على الرغم من ظهور أنفلونزا الطيور فإن ثمة قرار بالاستغناء عن مستشفيات الحميات وجعل الحميات عنبرا تابعا للمستشفيات العامة على الرغم من خطورة تبعية هذا القرار، فما الذى سيتم فى حالة أنفلونزا الخنازير وهو المرض المعروف بشدة وبائيته؟
إنه منذ ظهور مرض أنفلونزا الخنازير كانت التوصيات بضرورة التخلص الآمن من الخنازير لأنها تمثل قنبلة موقوتة وتم التراخى فى التعامل مع هذا الأمر، والذى كان من نتيجته عزل فيروس أنفلونزا الطيور H5N1من الخنازير فى مصر، ثم جاء القرار بإعدام الخنازير عند ظهور أنفلونزا الخنازير فى المكسيك وأمريكا بناء على توصية مجلس الشعب ثم خفف ذلك إلى ذبح الخنازير، إلا أن عملية التطبيق للقرار شابها كثير من الخلل وكان من نتيجته تهريب بعض الخنازير إلى أماكن لا يعلم عنها أحد شيئا، وبناء على ما سبق فإن هذه الخنازير المهربة وفى ظل وجود أنفلونزا الطيور وقدوم أنفلونزا الخنازير فإن سلالة جديدة لفيروس الأنفلونزا قد يتم إنتاجها، تكون أكثر خطرا على المجتمع ذلك لأن فيروس أنفلونزا الخنازير يتميز بشدة الوبائية وأنفلونزا الطيور بارتفاع معدل الوفيات. لقد أثبتت المعزولات لأنفلونزا الطيور حدوث عدد من التحورات للفيروس قدرت باثنتى عشر تحورا، الأمر الذى جعل الفيروس مقاوما للتحصينات التى تعطى للدواجن محدثا آثاره المدمرة بالثروة الداجنة بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الإصابة والوفاة بين البشر فى مصر وبخاصة فى الربع الأول من عام 2009، لذا وجب استمرار المتابعة للفيروس سواء الخاص بالطيور أو الخنازير لرصد حالات التحور الحادثة حتى يمكن إنتاج لقاحات مناسبة ضد المرض من العترات المحلية للفيروس.

إن ارتفاع معدلات الكثافة السكانية فى القاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن الكبرى يجعلها بيئة خصبة لانتشار المرض وبخاصة عند قدوم الخريف لذا وجب اتخاذ الاستعدادات اللازمة والمناسبة فى هذه المناطق، وبخاصة أماكن الازدحام مثل المواصلات والمدارس والجامعات والنوادى وفى هذا التوقيت من العام لأنه التوقيت الذى يحذر فيه الخبراء من ارتفاع معدلات الإصابة بالمرض.

إذن ما الذى ينبغى فعله؟ ينبغى رفع الوعى الصحى لدى المواطنين وتحرك النقابات ومؤسسات المجتمع المدنى ووسائل الإعلام والنوادى الرياضية وغيرها من أماكن التجمعات بعمل التوعية اللازمة للجماهير واتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدى للمرض مثل تدريب الكوادر على أعمال التطهير والتحصين ضد المرض والعلاج، واكتشافه والإبلاغ عنه، كما ينبغى على الحكومة رفع حالة الاستعداد والترصد الوبائى للمرض وتجهيز بل وإنتاج المواد المشخصة للمرض والأدوية واللقاحات والمطهرات والأقنعة التى من شأنها التصدى للمرض وتجهيز المستشفيات والمعامل وتدريب الأطباء والكوادر الصحية والتعاون بين وزارة الصحة والهيئات العلمية والبحثية والهيئة العامة للخدمات الطبية البيطرية والتخلص الآمن لبقايا الخنازير، ونسأل الله لنا ولكم العافية.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة