أكاد أجزم أنه لا توجد مدارس فكرية فى واقعنا. تغيبت فغابت، فى ظل حكم فردى فرض الجمود على البلاد، بحسن نية، لأكثر من نصف قرن، تشكلت خلاله - فى مناخ غير صحى- الشخصية المصرية الحالية. ولعل القارئ يتفق معى أننا نافذو البصر، لكن النور هو ما نفتقد. والمدارس الفكرية هى المشاعل والشموع والمصابيح، هى النور الذى نرى به.
ولا أرى ثمة فائدة ترجى من استعراض أو إعادة التذكير بما كانت عليه حالة الشخصية المصرية من وعى ونضج وخصوصية، قبل الخمسين عامًا الأخيرة؛ فيكفى أن نقول: إن مصر قد حافظت على خصوصية شخصيتها التى عرفها بها التاريخ منذ بدئه، ولم تتلوث أو تُمسخ، إلا فى الخمسين الأخيرة. وليس همنا اليوم كيف كنا، إنما: لماذا صارت مصر وصرنا إلى ما نحن عليه، وهل حسن نية الحكام وفرديتهم صك براءة لمفكرى مصر، ودورهم فيما حط عليها من ظلام!
إن احتكار النور -أو الاتجار به- يمثل ظلمًا وخطرًا؛ لأن المحتكر والتاجر -فى هذه الحالة- تكون مصلحته فى بقاء الظلام ضمانًا لتسويق سلعته؛ وهذا ما تعرضت له مصر على يد حفنة من محتكرى وتجار النور فى شتى المجالات (فى الدين، والعلم، والفنون والسياسة)؛ فتشكلت أسواق ممسوخة ومتنافرة ، فيما لا يحق المتاجرة به، وارتدى مفكِّرُو مصر عباءة "شاهبندر التجار" (كل فى تخصصه)، وارتضى الشعب -الواثق من نور بصيرته- خمسين عامًا فى أسواق الظلام، يشترى فيها النور-ظلمًا- ممن يبيعونه!
إن مصر تفتقد لمن هم منها، همهم همها، يفكرون بها ولها مُخْلصين ومخَلصين. وهم كثر، ولكن لكى يأتيها هؤلاء، فلابد من إشاعة النور ومعرفة الحقائق؛ لرؤية الواقع وفهم أسبابه ومكوناته؛ حتى يتسنى لهم محو القبح عن وجه الوطن، فَيُخرجوه من تلك الظلمات ..
فمصر فى النور أجمل !
وللحديث بقية ..
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة