عمرو جاد

سياسة "طفح" الكوتة

الأربعاء، 17 يونيو 2009 11:37 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل البكاء.. كان الحزن اختراعا مصريا. وقبل أن يعرف الإنسان الأول طعم الملح فى الدموع كان المصرى يسطر أحزانه فى ثنيات الرسومات على الجدران، وانتهى إلى نتيجة واحدة، أن الحزن رجل بينما الدمعة أنثى، فمن الصعب ترجمة الأول دون أن تختمه الثانية، فإذا كان الرجل يحزن، فالمرأة هى خير من يترجم هذا إلى عبرات ودموع ومقاطع من النوح و" العدودة".. حتى جرحها حولته إلى فن راق يعلو بالإحساس قبل الكلمة.

وفى بحثها عن " الكوتة" كانت المرأة المصرية لا تعى سوى واحدة، لخصتها عجوز صعيدية كانت تجلس فى الشمس تارة وفى الظل أخرى تكتفى ببضعة قروش من مكاسب بيع الجبن الأخضر و"جوزين حمام اللى ياخدهم منى رسول الرزق من خالقهم".. قالت العجوز وهى تحصى خرزات زيتونية تراصت فى شالها الأسود " أكل العيش ميحبش الجلع(الدلع) يا وليدى، وطفح الكوتة مر مينفعش معاه سف السكر".

هذه العجوز تعرف الكوتة أيضا وتتجرعها، إلا أنها لا تتعاطاها مع البيانات الحزبية، ولا فى أخبار البرلمان، أو تنظير اللقاءات الائتلافية بين الأحزاب المذابة فى هوى السلطة والإخوان القائمين على ثغور القنص السياسى..

كل ما تعرفه العجوز عن الكوتة يتمثل فى رزق النهار الذى يكفى لإعاشة البطون الخاوية ليلا، لكنها لم تعرف بعد عن المقعد الذى توفره لها الكوتة بين الرجاجيل(الرجالة) دائمى العويل فى البرلمان، فهى لن تتصور أن يكون بينها وبين التراب يوما حجاب أو مقعد جلدى أو ألغام سياسية، وكل ما تعرفه عن السياسة "هو سياسة الخيل" أى ترويضها، بينما ترى أى سياسة أخرى أنها "مش من عوايدنا".

من الأولى بالسيدات الفضليات ممن يتلهفن على حصاد كفاحهن المجتمعى من أجل زرع مسامير جحا النسائية داخل البرلمان، أن تضع كل منهن فى اهتمامها أن التعبير عن المرأة لن يجدى طالما انحصر فى القاعات المكيفة، وتحدثن عن التمكين والتسكين ورفع الحواجب ونصب المشانق لمرتكبى العنف الأسرى..

التعبير عن المرأة يبدأ من هؤلاء اللاتى يفترشن أرض الوطن ويتخذن الفقر صديقا والحزن زوجا والحرمان صديقا، ليثبتن للجميع كل يوم أن الحزن رجل كاذب والدمعة امرأة صادقة المشاعر.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة