فاطمة حنفى تكتب: هوليود.. مرسلون ومستقبلون

الثلاثاء، 16 يونيو 2009 11:26 ص
فاطمة حنفى تكتب: هوليود.. مرسلون ومستقبلون

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بنظرة فاحصة على كل أفلام السينما وما تحويه من مشاهد عنف وحركة وارتجال وقصص خيالية هى نسخة طبق الأصل من قصص الأساطير المثيرة التى كانت ملئ السمع والبصر فى الأزمان الغابرة، ولكن الفارق أن الخيال الحديث بإمكانيات وتقنية عالية يتحول فيها الخيال السينمائى إلى شخوص لا يستطيع معها الفرد التفريق فى عقولنا الباطنة أو وجداننا ونحن نهيم بأحداث الأفلام وكأنهم شخوص حقيقيون ويسيرون بيننا وعلى قدمين.

فلطالما سخرنا من حكايات الأجداد والجدات والآباء والأمهات للصغار قبل النوم عن "أمنا الغولة والراجل أبو رجل مسلوخة" وعشرات الحكايات التى كانوا يحكونها قبل النوم حتى يبثون فى قلوب الصغار الرعب ويكفون عن اللعب والصراخ ويخلدون إلى النوم فى سبات عميق ولا يهم إن كان هذا النوم ملئ" بالكوابيس والأرجل المسلوخة" التى تطل من نوافذ الحجرات أو"الرجل ذو العشرة عيون" الذى يختبئ تحت الأسرة ينتظر نوم الصغار ليتأملهم ويختار بأى منهم يبدأ فى التهامه وهم نائمون.

كان هذا سببا كافيا لئلا تجف الأقلام عن توبيخ المربين عن فعلتهم المشينة بترويع الأطفال وكأن الآباء يبدون "قطيع من الجهلة" يربون أولادهم على الخوف والجبن والعقد النفسية وأمراض الطفولة المصاحبة لهم حتى الشيخوخة والتى لا يستطيع الشخص منا الفكاك منها ويصير هو الآخر(أبا أما جدا وجدة) ويعود ليحكى لأولاده وأحفاده نفس القصص المفزعة حتى يخلدون للنوم ويستريح هو لبضعة من الوقت من هذا الصداع الطفو لى.

منذ منتصف التسعينيات لعب التلفاز بقنواته الأرضية ثم الفضائية دورا مؤثرا فى وجدان كل طفل فى أرجاء العالم من خلال عدد ساعات مشاهدته لبرامج تلك القنوات وبالمئات وإن توقفت عدد ساعات ونوعية المشاهدة على المستوى والوعى الثقافى والتعليمى لكل أسرة بل ولكل بلد فى نهجها العلمى والتربوى فى نشأة أجيالها الجديدة، ولكن فى العموم نستطيع أن نرصد وبكل وضوح الدور الذى يلعبه التلفاز وقنواته المتعددة فى تربية الأطفال بلا منازع وأيضا فى نسج خيالهم الخصيب من الحواديت والقصص وخاصة المثيرة بل والمرعبة منها.

وتفننت هوليود بكل طاقاتها الإبداعية والتقنية فى خلق عالم من الأساطير والخيال لشخصيات تتواءم مع كل خطوطها الخضراء والحمراء فى تكوين الشخوص والحدوتة والعقدة والنهاية: بفوز الخير مرة... والشر مرات كثيرة........!!!

والخلط والدمج بين كل ماتريد من"أمركة" العالم كل العالم وخضوعه التام لها إن لم يكن[بالطائرات والدبابات والصواريخ] فليكن بنسج أفكارها وأيديولوجيتها بقواها الناعمة السينمائية!

وهل هناك أنسب من الطفل وخصوصا فى سنين العمر الأولى حتى تحقق فيه كل مآربها القريبة والبعيدة؟!

فتحولت بين ليلة وضحاها الأفلام الهوليودية الكارتونية والتمثيلية إلى معامل لتفريخ (عتاة الجريمة ومصاصى الدماء وممارسى الرذيلة ومستحلى المحرمات) بكل النماذج بكل الأطر وفى كل البيئات وبكل اللغات وبأذرعها الطوال العراض.

أصبحت الشخصيات الكارتونية هى النبراس الذى يقود الصغار للقيم والمثل والتربية ولا يغمض للأطفال جفن إلا بعد مشاهداتهم وبكل رضا الوالدين للشخصيات الكرتونية (الهايبرية) الخرافية وهى تعربد فى "خيال الأطفال وحقيقتهم" وهنالك أيضا جفت الأقلام عن النقد المباح وذلك لقوة وسطوة ذاك النفوذ فى عالم الأطفال الكرتونى الخيالى وعالم الكبار الحياتى الحقيقى.

وأصبح الأطفال مصابين بالهوس بالشخوص الخيالية (الشريرة والظالمة والعنيفة) التى تحولت أمامها "أمنا الغولة" إلى حمل وديع.

العنف.. القسوة.. العدوانية.. الحروب.. القتل.. الدم: عناوين عريضة لكل الأفلام العالمية والحائزة على جوائز الأوسكار إلا بعض الاستثناءات التى لا يصير عليها أحكام.

ليل نهار والتى تبثها بالتالى كل القنوات وفى العالم أجمع وبآلاف الأفلام تصور من العنف: بطولة ومن السرقة: دقة تخطيط وذكاء والنصب: عصرية ومدنية ومقدرة على قيادة الآخرين، وتصور المقتول: غبيا وهو يسبح فى بحار من الدماء لأنه أغضب "السوبر ستار" أسطورة الإجرام.

فمنذ تأسيس هوليوود تواجد معها الرأسمال الفكرى البرجماتى، بمعنى أن هناك الرأس المال المستغل الذى يريد فى المقام الأول الربح، ولكن عبر اتجاهاته الفكرية والأخلاقية والحضارية والتى تتخذ من الحرية مبررا لبث كل أفكارها المتطرفة والعنيفة والمنحلة فى مجتمع يقدس الحرية وبلا حدود.

فلقد استطاعت هوليوود بهذه الصورة الليبرالية المتحررة "المزيفة" أن تؤسس ثقافة عالمية تتخطى كل الحدود فانتشرت أفلامها بكل ملامح شخوصها فى أنحاء العالم: ملبسهم، مأكلهم، لغتهم، عنفهم، وسخريتهم من كل ما يسمون "أعدائهم" وحتى بين الذين اتسمت علاقتهم مع أمريكا بالعداء.

من خلال صناعة أفلام متقنة وبتكاليف مادية باهظة وقصص تتسم بالعالمية والبساطة وثقافة يستطيع كل إنسان فى كل مكان التناغم معها، أى ثقافة "آسرة" وجدانيا وإنسانيا وعاطفياً، وأحياناً فنياً،استطاعت هوليود قلعة السينما والثقافة السيطرة على ملايين الناس عبر العالم.

يقول المفكر الأمريكى "ناعوم تشومسكى": يستغل الأمريكيون هذه القدرة الهائلة لوسائل الإعلام فى خدمة مصالحهم، خصوصاً إذا علمنا أن الولايات المتحدة تمتلك اليوم 56% من بنوك المعلومات فى العالم، بينما تعود نسبة 27% منها إلى دول الاتحاد الأوربى، و12% إلى اليابان، فيما تبقى نسبة 1% فقط لدول العالم النامى مجتمعة. ويتمثل هذا التأثير فى وصف وزير الخارجية الأمريكى الأسبق "جورج شولتز" لتقنية البث المباشر بأنها أنجع من أسلحة نووية عديدة لغزو الكتلة الشرقية، وإن شعوب أوربا الشرقية ثارت على الشيوعية لأنها تمكنت من التقاط برامج التلفزيون الغربى والأمريكى.

هل نعى تأثير الشخصيات المرسومة والمكتوبة وبالمشهد وباللقطة وبالكلمة والإيماءة، هل نفهم ما يفعله بنا أعدائنا وأحبائنا على حد سواء؟

هل نستطيع أن نتوقف لحظة أمام الله وأمام أنفسنا ونفكر فيما يرسل لنا ليل نهاروعلنا وبأيدينا وما نفعله نحن دائما: الخنوع والانبطاح والغمز بإشارة البدء ويبدأ الاستقبال!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة