يثير الموقف الذى يتبناه الرئيس الأمريكى باراك أوباما من إسرائيل، حيرة كثير من المعلقين والمراقبين المهتمون لهذا الشأن، مما جعل الكثير منهم يتساءلون عما إذا كان أوباما عدواً لإسرائيل أم صديقاً حقيقياً لها، جاكوب وايسبرج تحدث فى العدد الأخير من مجلة نيوزويك عن موقف الرئيس الأمريكى، رابطاً إياه بموقف سابقيه من الدول العبرية، ولافتاً إلى أن الضغوط التى يمارسها على الدولة العبرية ستكون لها فوائد كثيرة، لأن الصداقة الجيدة لإسرائيل، من وجهة نظره، تعنى الضغط عليه من أجل التوصل إلى اتفاق.
يرى وايسبرج، أنه منذ أن بدأت عملية السلام بين العرب وإسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973، اتسمت علاقة أمريكا بإسرائيل بمفارقة معينة، فالرؤساء الأمريكيون الذين كانوا أقل تودداً للدول العبرية قدموا لها الكثير، فى حين أن حلفاءها الأقوياء أثبتوا أنهم أقل جدوى.
ويسرد الكاتب موقف الرؤساء بدءاً من جيمى كارتر، الذى هدد بقطع المساعدات الأمريكية للضغط على مناحم بيجين لإعادة كل سيناء إلى مصر، الأمر الذى جعل اتفاق كامب ديفيد ممكناً.
ويوضح أن المساهمة الأمريكية المهمة فى السلام فى الشرق الأوسط جاءت فى ظل إدارة الرئيس جورج بوش الأب، فعندما رفض الإسرائيليون المشاركة فى مؤتمر مدريد عام 1991 حجب وزير الخارجية حينئذ جيمس بيكر ضمانات قروض، وقال إن رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحاق شامير يجب أن يطلبه عندما يكون مهتماً بالسلام، وقد أدت مباحثات مدريد إلى اتفاقية السلام مع الأردن، والاعتراف بإسرائيل من قبل كثير من الدول الأخرى وبدء أول مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين.
على النقيض من ذلك، فإن رونالد ريجان وبيل كلينتون وجورج دبليو بوش، و"جميع الأصدقاء الموثوق بهم"، على حد تعبير وايسبرج، شجعوا أسوأ الاتجاهات داخل إسرائيل فى أغلب الأحيان، فقد بدا ريجان، مستنداً إلى الكتاب المقدس، بالتأكيد على المزاعم القائمة على الملكية فى الضفة الغربية والاحتلال الإسرائيلى للبنان ورفضها الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية.
وفى ظل إدارة كلينتون، "لم يكن هناك أبداً محادثة حاسمة أو أمينة مع الإسرائيليين بشأن النشاط الاستيطانى"، كما قال مفاوض السلام السابق آرون ديفيد ميللر فى مذكراته "الأرض الموعودة جداً"، واستمر جورج دبليو بوش فى تجاهل المستوطنات وأهمل عملية السلام وتغاضى عن سوء تقدير الجيش الإسرائيلى فى الضفة الغربية ولبنان وغزة، ورسخت أفعال هؤلاء الرؤساء حالة الاستياء العربى بشدة، وشجعت فى الوقت نفسه الأوهام الإسرائيلية هناك بديلاً لحل الأرض مقابل السلام.
يبدو أن الرئيس باراك أوباما على استعداد لتحدى هذا التقسيم القديم، أى أن هناك شكوكاً حول ما سيقدمه لإسرائيل، فخلال حملته الانتخابية قال أوباما لجماعة يهودية، إنه عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل، فإنه لا يتحدث ولكنه يفعل، ويمكن لوزيرة الخارجية هيلارى كلينتون ونائب الرئيس جو بايدن ومبعوثه الخاص جورج ميتشيل أن يدعوا ذلك أيضا، رام إيمانويل، رئيس هيئة الموظفين بالبيت الأبيض والده إسرائيلى، وخدم كمتطوع مدنى فى الجيش الإسرائيلى، إلا أن هذا الطاقم جاد فى الضغط على إسرائيل بنفس القدر من الوضوح، فى خطابه الذى ألقاه بجامعة القاهرة، طالب أوباما إسرائيل بتجميد مستوطناتها فى الضفة الغربية والدخول فى مفاوضات سلام مع الفلسطينيين قائمة على حل الدولتين.
وهذه خطوة جريئة إلى الأمم، فالصداقة الجيدة بالنسبة لإسرائيل تعنى اليوم الضغط أكثر على اليهود والعرب من أجل الجدية فى التوصل إلى اتفاق، وحتى ما لم تتوصل الأطراف إلى اتفاق سلام، فإن التزام أوباما الشخصى وإعادة الصياغة المنصفة للصراع سيكون لها فوائد كثيرة. فتصور أن الولايات المتحدة تضغط على حليفتها إسرائيل كما تضغط على الفلسطينيين سيدعم موقف أمريكا بشكل كبير فى الشرق الأوسط، لكن لتنفيذ هذا سيتعين على أوباما أن يفعل ما كان مستيحلاً فى مرات عديدة من قبل.
يحتاج أوباما أولاً إلى إجبار كل من رئيس الوزراء الإسرائيلى على إحداث تغيير فى السياسات الإسرائيلية عبر التهديد بتقليل الدعم لإسرائيل، وسيكون رهان أوباما على أن الرأى العام الإسرائيلى، ما لم يكن نتانياهو نفسه، سوف يأخذ التهديد بتقليل الدعم الأمريكى على محمل الجد.
من ناحية أخرى، يتعين على الرئيس تهدئة توتر اليهود الأمريكيين، فإذا كانت المسألة تتعلق بحليف آخر كانت الخطوات الدبلوماسية لتكون غاية فى البساطة، تريدون منا أن نحافظ على دعمكم بما يقرب من 20% من الميزانية العسكرية ونبيع لكم أسلحة أكثر تقدماً؟ والوقوف بجانبكم فى الأمم المتحدة؟ عليكم أن توقفوا بناء المستوطنات، إلا أن هذا الاتجاه يثير الشكوك لدى المسيحيين واليهود الذين "يشتبهون" فى الميول الإسلامية السرية لأوباما، كما يقول وايسبرج، فالمحافظون يسعون إلى تشجيع تلك الشكوك، حتى الآن، تعامل فريق أوباما مع هذه المشكلة بطريقة ماكرة بحشد حلفاء إسرائيل فى الكونجرس من أجل دعم سياسته التى تجمع بين الحسم والحب إزائها.
فى النهاية، يحاول وايسبرج التأكيد على صحة رأيه بالقول: عندما زار نتانياهو مبنى الكونجرس الشهر الماضى اكتشف بشكل مدهش أن الكثير من أقوى مؤيدى إسرائيل كانوا فى صف أوباما.
بالتأكيد كان الوصول إلى تسوية للصراع العربى الإسرائيلى يرواد خيال كل رئيس أمريكى منذ نيكسون ولم يتمكن أحد من تحقيق ذلك، وحتى وهو يضغط من أجل إحلال السلام، يجب أن يضع أوباما فى اعتباره أن احتمالات الفشل قائمة جداً.
