أمضيت نهار الجمعة فى تفقد انطباعات الناس حول أنفلونزا الخنازير فى ضاحية المعادى التى أقطن بها، خاصة فى ضوء حالة الرعب التى سادت المنطقة طيلة يومى الأربعاء والخميس بعد اكتشاف إصابة مهندس بشركة جابكو وزجته من سكان المعادى بالفيروس، وفى ضوء حرب الشائعات والرسائل القصيرة على الموبايل التى سيطرت على المعادى ليومين كاملين.
خرجت من هذه الجولة التفقدية بعدة مشاهد، أدت إلى بعض الاستنتاجات، لعل أبرز المشاهد وأغربها هو غياب المواطنين عن الأماكن المفتوحة مثل الأندية الرياضية والمقاهى والكازينوهات، بينما شهدت دور السينما والملاهى الموجودة بأبراج عثمان ازدحاما شديدا كما هى العادة فى عطلات نهاية الأسبوع.
وهذا يكشف أننا نتعامل مع الكوارث الصحية والأوبئة بعدم وعى واضح، لأن فيروس أنفلونزا الخنازير وغيره من الفيروسات تنشط وتنتشر فى الأماكن المغلقة، بعكس المناطق المفتوحة التى يتجدد هواؤها باستمرار، مما يعنى أن نسبة الإصابة بالفيروس تكاد تكون محدودة فى الأماكن المفتوحة، بينما تزيد فرص التعرض للإصابة فى الأماكن المغلقة.
لكن المصريين الذين أصابتهم حالة ذعر من أنفلونزا الخنازير، تكدسوا فى الأماكن المغلقة، وهربوا من الأماكن المفتوحة، رغم أن التليفزيون يبث بيانات منذ ظهر الخميس تدعو المواطنين لتجنب الأماكن المغلقة وسيئة التهوية، فهل لا نشاهد التليفزيون المصرى؟.. وإذا شاهدناه لا نصدقه؟
الحقيقة أن سلوك المواطنين فى التعامل مع أنفلونزا الخنازير يحتاج إلى وقفة، فرغم كثرة وسائل الإعلام من فضائيات وصحف وإنترنت، إلا أن الشائعات وكلام الناس مع بعضهم البعض لا يزال المصدر الرئيسى لتوجيه الرأى العام، وهذا يذكرنى بشائعة تلوث مياه الشرب فى اليوم التالى مباشرة للإعلان عن أول حالة للإصابة بأنفلونزا الطيور بين الدواجن فى مصر.
والأغرب هو أننا نتعامل بكثير من الخوف والحذر مع الأوبئة لحظة ظهورها ثم يتراجع اهتمامنا بمضى الوقت حتى يصبح أى وباء أمرا عاديا نتعايش معه، وسرعان ما نتخلى عن أى إجراءات وقائية طبقناها فى الأيام الأولى، وتختفى حالة الخوف والحذر.
أعرف سيدة تربى طيورا فى منزلها سارعت بذبحها عند الإعلان عن أنفلونزا الطيور، ثم بعد أسبوعين كانت تذهب للبحث عن الطيور الحية لشرائها وذبحها وتنظيفها، وبعد شهر عادت لتربية الطيور فى منزلها مرة أخرى.. وهذه ليست حالة فريدة لكنها تقريبا تعبير عن سلوك معظم المصريين.
وإذا كنا نعيب على الحكومة عدم اتخاذ الإجراءات السيمة لمنع انتشار الأوبئة فى البلاد، فإنه بالقدر نفسه يجب أن نلوم أنفسنا لأن الحالة الصحية لأى إنسان تتوقف كثيرا على سلوكياته الشخصية، ونمط الحياة التى يعيشها، ونوعية الطعام الذى يتناوله، والأماكن التى يذهب إليها، وإذا كنا نعارض الحكومة ليل نهار ونتهمها بكل ما فيها وليس فيها فإن سلامتنا الشخصية هى مسئوليتنا فى الأساس.
ورغم أن أنفلونزا الخنازير لم تتحول إلى وباء حتى هذه اللحظة، ومن رحمة ربنا علينا أن المصابين بها يسكنون فى أحياء راقية حتى الآن، فإنه من الواجب على الجميع التحوط من دخولها أحياء شعبية تعانى من تكدس بشرى كبير، وأكثر من اسرة يقطنون فى شقة واحدة لأنه لو دخلت الأنفلونزا فى هذه المناطق لن تخرج وستستوطن وتتحور وتتغير وتتبدل ولن يصبح ممكنا القضاء عليها.
وحتى لا نصل لهذا السيناريو الأسوأ يبقى السؤال المشروع: هل سنتعامل بجدية هذه المرة سواء بشكل رسمى أو شعبى.. أم أن ريما ستعود لعادتها القديمة وتتحول أنفلونزا الخنازير إلى وباء فى مصر كما حدث مع أنفلونزا الطيور؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة