تحت عنوان "جيل K يقف ضد إيران"، أجرت صحيفة لوفيجارو تحقيقا فى طهران عن آراء الشباب الإيرانى الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما، وموقفهم غير المؤيد لأحمدى نجاد فى الانتخابات الإيرانية التى يتوجه إليها أنظار العالم اليوم.
ويشير "K" أو "خ" إلى الحرف الأول من اسم كل من خمينى، الذى ولد هذا الجيل فى عصره، وخامنئى الذى تربى هذا الجيل فى ظله، وخاتمى الذى انتخبه هذا الجيل فى 1997.. هذا الجيل من الشباب الذى يحتشد اليوم ضد أحمدى نجاد من أجل التغيير.
وهو ما عكسته الهتافات التى كان يطلقها الشباب والفتيات المحجبات "أحمدى مع السلامة! أحمدى مع السلامة" والذين تجمعوا فى "بارك واى" بشمال طهران حتى الساعات الأولى من النهار يرتدون اللون الأخضر : لون الأمل، لون التغيير، لون الربيع بعد الشتاء... لون حملة أنصار المرشح للرئاسة الإيرانية مير حسين موسوى المسماة "الموجة الخضراء".
كان ذلك يوم الرابع من يونيه 2009، والذى من المفترض أن يكون يوم حداد رسميا فى إيران، حيث نصبت الأعلام السوداء الكبيرة فى الذكرى العشرين لرحيل آية الله خمينى، مؤسس جمهورية إيران الإسلامية. وإنما مع اقتراب الانتخابات التى قد تكون حاسمة بالنسبة لمستقبل البلاد، فإن للشباب الإيرانى اهتمامات أخرى تتمثل فى استعادة نوع من الحرية، كانت قد تمت مصادرتها على مدار أربع سنوات من القمع الذى عززته رئاسة محمود أحمدى نجاد.
"لا يهم من سيكون الفائز"
وهو ما يؤكده كلام طبيبة الأسنان أديلة، البالغة من العمر 30 عاما، والتى تقول : "أنا هنا لأقول لا للكابوس الذى جعلنا نعانى منه". وتمثل هذه الطبيبة واحدة من آلاف الإيرانيين الذين يحتشدون كل ليلة فى شوارع العاصمة الإيرانية، بدافع الحماس الذى أثارته فيهم "الموجة الخضراء" التى بدأها أنصار مير حسين موسوى، المنافس الرئيسى لأحمدى نجاد فى الانتخابات الإيرانية.
بالنسبة لتلك الطبيبة الشابة، فإن هذا الأمر يشكل مظهرا للاحتجاج ضد الإهانة التى تعرضت لها جراء إلقاء شرطة الآداب القبض عليها، قبل ثلاثة أشهر، والتى عادت دورياتها للظهور من جديد بعد وصول أحمدى نجاد للحكم فى عام 2005.
وتواصل أديلة قائلة : "فى عام 2005، ارتكبت خطأ بعدم مشاركتى فى التصويت. أما اليوم فسوف أصوت وأنا مغمضة العينين لموسوى حتى نتجنب ما هو أسوأ". وتسلم تلك الفتاة بأنه لا يهم من سيفوز "طالما سنتمكن من انتخاب رئيس جديد !"، وذلك على الرغم من أنها لا تعلم الكثير عن هذا السياسى الذى لا يتمتع بكاريزما حقيقية، حيث يقدم موسوى، رئيس الوزير الأول السابق فى الثمانينيات، نفسه على أنه "منقذ الأمة".
تنتمى تلك الفتاة للجيل الذى أوصل خاتمى للحكم فى 1997. فى ذلك الوقت، كان الشعب الإيرانى قد بدأ لتوه فى استعادة نفسه بعد الحرب بين إيران والعراق. وقد كان الشباب الأقل من 30 عاما (60% من الشعب الإيرانى)، الذى تربى فى إطار الخضوع للنظام الملالى الإيرانى، يتطلع إلى المستقبل. وفى ظل تعطشه إلى الانفتاح على العالم، قام بالتصويت الجماعى لرجل الدين المعمم هذا ذى الابتسامة الساحرة، والذين أعادوا انتخابه فى 2001 لفترة ولاية ثانية.
وحتى النساء أيضا قد حذن حذوهم. فقد جذبهم بدعوته لـ"الديمقراطية الإسلامية" و"حوار الحضارات". بيد أن إصلاحاته سرعان ما اصطدمت بهجوم المحافظين، الأمر الذى قام بتذكير ناخبيه بأن الصلاحيات الرئاسية محدودة إلى حد كبير فى إيران.
وفى عام 1998 عصفت بالبلاد موجة من أعمال قتل المثقفين. وفى السنة التالية، تعرضت ثورة طلابية لشكل عنيف من أشكال القمع. وعلى مدار السنين، توارت عن الأنظار الصحف الجديدة التى ولدت فى ظل خاتمى.
"كنا نريد معاقبة الإصلاحيين.. فنلنا صفعة بانتخاب نجاد"
وكانت نتيجة ذلك أن قاطع عدد كبير من الشباب صناديق الاقتراع فى 2005 بسبب خيبة أملهم. بل إن بعضهم قد صوت لأحمدى نجاد لمجرد "معاقبة" الإصلاحيين. وبعد انتخابه فى الجولة الثانية، سرعان ما أعلن هذا الرئيس الأصولى عن سياسته الجديدة : "إحياء قيم الثورة". وهو الأمر الذى يأسف عليه محمود، وهو طالب وناشط سابق، قائلا : "كنا نريد معاقبة حزب الإصلاح. ولكن فى النهاية، أخذنا صفعة حقيقية!".
بعدها سرعان ما فرضت الحكومة الجديدة نظاما صارما على المجتمع المدنى. ففى الجامعة، تم تسجيل أسماء الشباب المعارضين، وطرد بعض الأساتذة. ووضعت المنظمات غير الحكومية، التى شهدت ازدهارا فى عهد خاتمى، تحت المراقبة. وألقى بالكثير من النساء الإيرانيات فى الزنزانة، بتهمة المشاركة لصالح حملة "المليون توقيع من أجل المساواة بين الرجل والمرأة".
وكانت نتيجة ذلك أن جاءت الدعوات لمقاطعة الانتخابات هذا العام، وبشكل استثنائى، فى صورة متكتمة، حتى من جانب الإيرانيين خارج البلاد، فى الوقت الذى تعلن فيه بعض جماعات المعارضة فى المنفى تأييدها العلنى لموسوى، التى تتنشر الدعوة لانتخابه على الرسائل القصيرة، ومنتديات المناقشة على شبكة الإنترنت، واليوتيوب، وصفحات الفيس بوك... والمثير للنظر أن التعبئة لم تكن يوما بتلك الأهمية.
يشير أحد أساتذة العلوم الاجتماعية بجامعة الشهيد بهشتى فى طهران أن الشباب، والإيرانيين بشكل عام، أصبحوا أكثر واقعية منهم من أربع سنوات مضت، وأن خطابهم السياسى قد نضج. فهم يدركون كيف يمكن لتصويتهم أن يغير الأمور.
"سأصوت ضد أحمدى نجاد بسبب العقوبات الغربية والتى كان سببها"
"إن الأمر عاجل"، عبارة قالها حميد(29 عاما) والذى يرتدى النظارات الشمسية لإخفاء الهالات السوداء الضخمة التى تراكمت حول عينيه على مدى الليالى التى سهرها فى التعارك بالشعارات مع أنصار أحمدى نجاد، الذين يجوبون شوارع العاصمة هم أيضا على دراجاتهم النارية.
ويذهب حميد إلى أنه إذا صوت ضد أحمدى نجاد، فسيكون ذلك بسبب ما يتعرض له متجره الذى يبيع أجهزة الكمبيوتر، جراء العقوبات الاقتصادية الغربية التى تهدف إلى الحد من البرنامج النووى الإيرانى التى أطلقته الحكومة الحالية.
ويضيف حميد الذى تتملكه رغبة فى الانتقام: "لقد صار من الصعب بشكل متزايد الحصول على بعض أجهزة الكمبيوتر من الخارج، حتى بواسطة المرور بشكل غير مباشر عن طريق دبى". وحتى شقيقه، الذى كان يعمل يوما فى مصنع للملابس والذى أصبح الآن عاطلا عن العمل، يقول إن الخطأ يكمن فى عدم وجود دعم للتنمية الصناعية، متهما الرئيس بتبديد أموال النفط من خلال شراء ناخبيه بالمساعدات الاجتماعية.
"شعارات نووية فى الوقت الذى تفتقر فيه الجامعة للموارد الأساسية"
من ناحية أخرى، هناك هدوء يهيمن على حرم جامعة الفنون التطبيقية المرموقة بإيران، حيث تنشغل الأجواء هنا بالتحضير للامتحانات وليس بالنشوة الانتخابية. يذكر على، وهو طالب دكتوراه فى مادة الكيمياء، أن "أحمدى نجاد جاء مؤخرا فى جولة إلى الجامعة وقام بتوزيع شيكات بقيمة 50 يورو للطلاب. وأنا لا أسمى ذلك سياسة.. إن تلك الأجواء الاحتفالية ما هى إلا لحظة عابرة. فبعد الانتخابات ستعود الرقابة من جديد لأن سلطة الرئيس محدودة. كل ما آمل فيه من المنتخب الجديد هو أن يستفيد من يد أوباما الممدودة، لوضع حد للعزلة التى تعيشها بلادنا. فهم يلاحقونا بالشعارات النووية على مدار السنة، فى الوقت الذى نفتقر فيه داخل الجامعة إلى المعدات والموارد اللازمة لأبحاثنا. أهذا هو التقدم العلمى الذى يتباهى به رئيسنا؟".
"هذا الفخر النووى الشهير" الذى يمثل حجر الزاوية فى خطاب أحمدى نجاد، من الضرورى السفر إلى المحافظات أو التوجه إلى الأحياء التقليدية فى العاصمة لقياس مدى تأثيره على الشباب فى تلك المناطق.
يصر محسن (26 عاما)، الذى يعيش فى بلدة صغيرة جنوب إيران، على التصويت لأحمدى نجاد من أجل "إيران قوية ترفض الاستعمار الغربى". يعيش محسن مع زوجته الشابة عزام(21 عاما) التى ترتدى الشادور الأسود، ويفضل البقاء بالمنزل فى هدوء فى المساء لمشاهدة التلفزيون الذى اشتراه عن طريق "معونة الزواج".
ووفقا للمعهد الذى يشرف على نظام الائتمان هذا، فقد استفاد حتى اليوم نحو 4 ملايين من الشباب بتلك المعونة، وهو رقم لا يشمل العديد من المستفيدين من القروض الأخرى دون فائدة التى بدأتها حكومة أحمدى نجاد.
سيمثل اليوم هذا الجيل الصامت غير المرئى أمام كاميرات الغرب، والذى يشكل فى الوقت ذاته قوة لا يستهان بها من ناحية العدد، أكبر تحدى أمام "الموجة الخضراء".
تحقيق فى صحيفة لوفيجارو عن آراء الشباب الإيرانى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة