جاءت زيارة أوباما إلى مصر تحمل فى طياتها كثير من المعانى والمعالم واللمحات تفاوتت فيها مساحات الرؤية والإدراك بين المختلفين والمتفقين مع السياسة الأمريكية رافعين شعار "فعين الرضا عن كل عيب كليلة وعين السخط تبدى لك المساويا", الأمر الذى دفعنى إلى التوقف عند هذه الملامح لكونها صادرة عن زعيم أكبر دولة فى العالم فى وقتنا الحاضر، وبحث مضامين الزيارة وتداعيتها على الأصعدة كافة.
الملمح الأول والذى وصفه البعض بدغدغدة مشاعر المسلمين وذلك عندما استشهد أوباما ببعض آيات القرآن الكريم، وقد يكون الأمر كذلك، لكنه من زاوية أخرى من زوايا الرؤية يدل على إقرار الرئيس الأمريكى بارتباط المسلمين بدينهم وبكتاب ربهم، وفيه إشارة إلى أولى الأمر من حكام المسلمين أنه لابد من التعاطى مع هذه الحالة الشعورية الراسخة فى وجدان المجتمع المسلم بما يناسبها وليس الصدام معها، وإلا كانت النتائج غير محمودة العواقب.
الملمح الثانى والذى قد يعتبره البعض نفاقا ألا هو إقرار الرئيس الأمريكى فى ثلاثة مقاطع من خطابه بحق المرأة المسلمة فى ارتداء الحجاب، الأمر الذى حدا بوزيرة الخارجية الأمريكية مراعاة شعور المسلمين بوضع غطاء للرأس عند زيارتها لمسجد السلطان حسن، وذلك على عكس ما حدث من الإدارة الأمريكية السابقة عندما استهجن الرئيس الأمريكى بوش ارتداء مذيعة قناة الجزيرة خديجة بن قنة للحجاب، ومن ثم فإن ذلك يعتبر عملا إيجابيا يتعامل بواقعية مع رغبة المجتمع المسلم فى ارتداء المرأة المسلمة للحجاب رغم كل المحاولات التى تدعو إلى التخلى عنه، وكأن فى ذلك رسالة موجهة إلى القائمين على شئون المرأة فى مجتمعاتنا بضرورة التساوق مع هذه الرغبة المكنونة لدى المجتمع المسلم وعدم إغفالها أو التصادم معها.
الملمح الثالث فيكمن فى اختيار مكان إلقاء الخطاب فى جامعة القاهرة وليس فى مكان آخر كما يحدث فى الكنيست الإسرائيلى على سبيل المثال، ومرد ذلك الاختيار، إذا كان من طرف الحكومة المصرية أو مبنيا على رغبة الإدارة الأمريكية، أنه يعود إلى احترام الإدارة الأمريكية للعلم والعلماء وكيف لا وهو الذى جعل الأمة الأمريكية تصل إلى سدة الهيمنة والسيطرة على العالم فى عصر القطب الأوحد، وبهذا نستطيع القول إننا إذا كنا نريد أن نحذو حذو الأمة الأمريكية فى تحقيق قصب السبق، فعلينا حكومة وشعبا الاهتمام بالعلم والعلماء، بحيث لا يصير مكان العلم فوق الأرفف يعتريه التراب وأن ينزل إلى حيز التطبيق العملى فى واقع الحياة، وألا يقف العلماء موقفا لايحسدون عليه يطالبون فيه بتحسين دخولهم ورغبتهم فى تحقيق حريتهم واستقلالهم واختيار من يريدون من قياداتهم الجامعية.
الملمح الرابع ويظهر فى تنازل الإدارة الأمريكية عن تطبيق مبدأ الديمقراطية فى مجتمعاتنا والضغط على قيادات العالم الإسلامى لتحقيق ذلك تحت زعم أن كل مجتمع له ما يناسبه من أساليب الحكم، ويبدو فى ذلك تعزيز للدكتاتورية وانعدام فرص تداول السلطة بين أبناء المجتمع الواحد - بناء على رغبة المجتمع - وترك الحبل على الغارب لمن يقومون على الأمر بفرض ما يريدون على مجتمعاتهم المغلوبة على أمرها والتى يبدو عليها حالة من الاستكانة والصمت وقلة الحيلة.
الملمح الخامس قيام الرئيس الأمريكى بتبرير الفظائع التى قام بها الأمريكان - ويقومون - فى كل من العراق وأفغانستان تحت زعم أن ذلك جاء نتيجة طبيعية لأحداث سبتمبر ومحاربة الارهاب، وأن الشعب العراقى أفضل حالا فى عدم وجود صدام، ولكن الظاهر للعيان أن واقع العراق أسوأ الآن مئات المرات منه فى حال وجود صدام وأن الجرائم التى ترتكب فى حقه لاتعد ولاتحصى، وأن ما خلفه هذا الغزو الأمريكى هو تدمير مقدرات العراق وإثارة الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب العراقى، ودفع العراق إلى حافة الانقسام وأن ما حدث فى أفغانستان لايقل عن ذلك بأى حال، وعليه فإن ملاحقة الإرهاب ومقاومته أكذوبة تأبى الإدارات الأمريكية المتلاحقة إلا تكرارها لتخدع بها الشعوب وتبرر بها أفعالها.
الملمح السادس وفيه يعلن الرئيس الأمريكى الدعم الكامل لإسرائيل وبحقها فى الوجود، وفى المقابل دعوة المقاومة الفلسطينية بعدم استخدام العنف واستخدام المقاومة السلمية، وهذا يكرس وبلا مواربة إصرار أمريكا على زرع هذا السرطان المدمر فى قلب الأمة العربية على حساب الفلسطينيين، وعلى العرب والفلسطينيين أن يقروا بذلك لأنه ليس هناك بديل غير هذا – حيث أن هذا السرطان لاعلاج له - وهنا نجد أنه لا اختلاف فى السياسة الأمريكية فى هذا الصدد، وإن كان البعض ينظر إلى خطاب أوباما أنه المخلص لحل القضية الفلسطينية، ولكن يبدو أن الخطاب جاء هنا مخيبا للآمال.
الملمح السابع وهو أن الإدارة الأمريكية ترفض المذابح التى تحدث فى دارفور والبوسنة ولكنها تغفل المذابح التى جرت فى غزة وأفغانستان والعراق فيكون الرفض للأولى حيث تريد التدخل لتأخذ جزءا من الكعكة فى السودان أو فرض الهيمنة والسيطرة فى البوسنة ويكون الإغفال فى الثانية حيث أنها المتهم بشكل مباشر وغير مباشر فى هذه المجازر التى يغض العالم عنها الطرف.
الملمح الثامن أن أمريكا ترفض انتشار الأسلحة النووية وترفض امتلاك إيران لها ولكنها فى ذات الوقت لا ترفض امتلاك إسرائيل لها فيكون هنا الكيل بمكيالين، إضافة إلى أنها لاتبدى رغبة حقيقية فى تنازلها عن أسلحتها النووية هى وغيرها من الدول الكبرى، وهنا نقول إن السعى إلى عالم خال من السلاح النووى شئ رائع، ولكنه خيال يصعب تحققه فى واقعنا المعاصر فكيف بمن يملك قوة الردع المطلق أن يتنازل عنها وهو الذى بها بقهر الشعوب ويسيطر على قراراتها ويستولى على مقدراتها، ومن هنا نصل إلى نتيجة إما أن يتنازل الأمريكان والدول الكبرى عن أسلحتهم النووية، أو أنه ليس أمام الشعوب التى لا تملك السلاح النووى إلا السعى إلى أن تملكه حتى تصبح قادرة عن الدفاع عن نفسها وأن يصبح قرارها من رأسها وإلا أصبحت لقمة سائغة على موائد اللئام.
الملمح التاسع وهو دعوة الرئيس الأمريكى إلى التعاون بين أمريكا والشعوب الإسلامية وهذا شئ رائع ولكنه لاينبغى أن يكون على حساب ثوابتنا وقيمنا وألا يكون مشروطا بشروط تضر بنا وبمصالح أمتنا فكم عانينا من أشكال التعاون هذه فى السابق، حتى أننا أصبحنا لا نستطيع أن نزرع أرضنا بالقمح ونصنع سلاحنا بأيدينا وغيره من الأمور كثير.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة