د. خميس الهلباوى

العولمة.. والتعاون الاقتصادى المصرى الأمريكى

الخميس، 11 يونيو 2009 10:47 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صرح المهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة عقب زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، بأنه لمس من المسئولين الأمريكيين «حرصهم على فتح صفحة جديدة للعلاقات الاقتصادية مع مصر، تقوم على تبادل المصالح والمنافع»، وأنه تم الاتفاق مع مسئولى وزارة التجارة الأمريكية على إعادة تشكيل مجلس الأعمال المصرى - الأمريكى، وفق رؤية وأجندة وآليات جديدة ليساهم بفاعلية فى تقوية العلاقات بين البلدين، وأن الجانب الأمريكى أبدى استعداده لتقديم الدعم الفنى لتطوير عدد من القطاعات من بينها التجزئة، والتجارة الداخلية، وحماية المستهلك، والعلامات التجارية، والتصميمات الصناعية، والتجارة الإلكترونية، وكذلك منح العلامات التجارية لوكلاء محليين، وسنجد أن معظم عناصر الدعم الفنى المذكورة تصب أكثر فى مصلحة الجانب الأمريكى. ومن التجربة السابقة كان لمجلس الأعمال المصرى تأثير محدود نسبياً على النشاط الاقتصادى للمجتمع المصرى نظراً لطبيعة أعضاء الجانب المصرى فى المجلس، لكونهم أصحاب مصلحة شخصية مباشرة فى تنمية مصانعهم وأعمالهم دون باقى المصانع المصرية من خلال هذه العلاقة، وكان من الطبيعى أن يركزوا أكثر على مصالح مشروعاتهم دون باقى المصانع المصرية، ودون الدفاع عن مصالح غيرهم من رجال الأعمال المصريين، ونلاحظ ذلك فى طبيعة الأنشطة التجارية والصناعية لأعضاء الجانب المصرى ومدى استفادة مصانعهم من النشاط السابق بين الجانبين، ويمكن مراجعته بالرجوع إلى صادرات مصانعهم بالنسبة للمصانع المشابهة والمنافسة لمصانعهم فى مصر..
ولذلك فقد كانت آثار المجلس القديم محدودة للغاية لمجموع المصانع المصرية، وإن كانت بالغة الفائدة للجانب الأمريكي، ونحن نتوقع أن يتكون أعضاء الجانب المصرى فى المجلس الجديد من رجال أكثر قدرة على رؤية المصالح المصرية من منظور عام شامل وليس منظور مصالحهم الشخصية أو مصالح من يحيطون بهم فقط.
ولعل نتائج الزيارة الأخيرة للسيد وزير الصناعة لأمريكا ومباحثاته هناك تفرز تعاونا من نوع أكثر فائدة للمصانع المصرية بصفة عامة عن ذى قبل، وإن كنا نرى أن اتفاقية التجارة الحرة بين الطرفين أمريكا ومصر كانت سوف تكون أكثر فائدة للجانب المصرى من أى اتفاقية أخرى، ولكن عموما دعنا ننتظر ما سوف تسفر عنه الأيام القادمة من دعم الجانب المصرى بتقديم "الدعم الفنى لتطوير عدد من القطاعات من بينها التجزئة، والتجارة الداخلية، وحماية المستهلك، والعلامات التجارية، والتصميمات الصناعية، والتجارة الإلكترونية، وكذلك منح العلامات التجارية لوكلاء محليين"، ونأمل أن لا تكون الاستفادة من هذه التسهيلات قاصرة على السادة أعضاء الجانب المصرى فى المجلس الجديد أو الجانب الأمريكى فقط.
ويدفعنى الحديث هنا إلى التحذير من المعاملات التجارية الدولية مع الولايات المتحدة الأمريكية، فى ظل ما يسمى خطأ حالياً "بالعولمة"، فقد قامت العولمة علمياً وفق فلاسفة الاقتصاد فى الغرب على مبدأ تعاون شعوب العالم ودولها على تحقيق أقصى استفادة اقتصادية بين بنى البشر، اعتماداً على فكرة الميزة النسبية للسلع والخدمات فى كل دولة، بحيث تتخصص كل دولة فى إنتاج السلع والخدمات التى لها فيها ميزة نسبية، أى وفرة نسبية وتكلفة أقل من غيرها من الدول، ذلك من ناحية وفرة الخامات أو رأس المال أو الأيدى العاملة، أو العوامل الطبيعية الأخرى التى منحها الله لكل دولة، وتقوم بتصدير المنتجات التى لها فيها ميزة نسبية إلى الدول الأقل وفرة فى نفس العناصر والتى من الطبيعى أن ترتفع تكلفة إنتاجها من نفس السلعة، أو المنتج عن الدولة المصدرة، بحيث يتم تبادل المنافع بين الشعوب بعملية التبادل التجارى، فالتبادل التجارى الدولى الحر فى التجارة العابرة للحدود، وحرية مرور البضائع والعمال ورأس المال سوف ترفع من فائدة جميع الشعوب حيث سيكون قد ساد مبدأ التخصص وتقسيم العمل بين جميع دول العالم، بشرط العدالة وعدم سيطرة دولة على دول أخرى والتحكم فى التجارة والعمالة ورأس المال العابر للحدود.

فبالتجارة الدولية الحرة تتضاعف فوائد كل مجتمع من تخصصه فى إنتاج وتصدير سلع تكلفتها لديه أقل من الدول المستوردة، واستيراد سلع تكلفتها لديه أكبر من تكلفتها فى الدول المصدرة.

ولكن ما يحدث فى الواقع شئ مختلف، فنجد الدول الغربية الغنية تستغل الدول الفقيرة النامية فى وضع العوائق الحدودية، وتحديد الحصص الاستيرادية ووضع القيود على التجارة الدولية بحيث تضمن تصدير منتجاتها المتقدمة بأسعار مرتفعة ولا تستورد سلعاً بأسعار معقولة، ولكنها تضغط على الدول الفقيرة لتصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة مثلاً بأقل الأسعار التى لا تحقق أرباحاً للدول المصدرة الفقيرة، خاصة إذا كانت توجد منافسة قوية غير عادلة بين تلك الدول الفقيرة، فمثلا نجد أن الصين تستخدم عمالا صينيين يعيشون فى بيئة غير صالحة إنسانياً ويتقاضون مرتبات تدفعهم إلى مستوى العيش فى فقر مدقع، فبعض المصانع فى الصين تحتفظ بعمال الورديات فى داخلها ينامون على أسرة بعد انتهاء وردياتهم، ثم يتناوبون نفس الأسرة مع الوردية التالية، فى داخل العمل، وأيضا فى دول أمريكا الجنوبية مثل المكسيك، نجد أن رأس المال الأمريكى، يستخدم فى الإنتاج بأقل تكلفة ممكنة بحيث لا يهمهم مستوى معيشة العمال فى المصانع، فيعيشون فى ظروف عمل وبيئة غير صالحة إنسانياً فى سبيل خدمة المستهلك الأمريكى أو التاجر اليهودى الأمريكى، وتشهد بذلك جولات اجتماعات الدوحة.

ويساعد على ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أكبر مستهلك للسلع والخدمات فى العالم، وبالتالى فإنها تتمتع بوفرة الطلب على المنتجات، فالشراء بكميات هائلة يمنحها فرصة فرض شروطها الشرائية على البائع، فعلينا أن نجد شروطا إنسانية فى تعاملاتنا التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية، مع مطالبتنا للحكومة المصرية بالعمل الجاد المخلص على القيام بثورة صناعية وتعدينية مخلصة لاستخراج ثروات مصر من باطن الأرض فى سيناء وفى الصحراء الغربية، وخلق فرص للعمل للشعب المصرى وتشجيع الصناعة المصرية بطرق علمية واعية، تسمح باتخاذ خطوات عملية لتحقيق التكامل الذاتى فى الزراعة والصناعة، وليس خطوات مريضة كما يحدث الآن تسير كالسلحفاء فى الوقت الذى يجوع فيه الشعب المصرى، فشعب مصر يستطيع بقيادة ديمقراطية شفافة واعية على اجتياز أزماته، والقيام بتصنيع حقيقى، وزراعة حقيقية، والتخلى عن أى اتفاقات تجارية غير عادلة، فلا يجب أن يكون الشعب المصرية ضحية من ضحايا استهلاك الشعب الأمريكى وبنوك اليهود فى العالم.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة