أتذكر فى يوم من الماضى البعيد أنى قابلت أحد أصدقائى ووجدته مندهشا ومتسغربا، ويفعل كما يفعل الناس الآن من مصمصة الشفاة، فرأيت أن أتطفل عليه لمعرفة سبب الدهشة المرسومة على تقاسيم وتعابير وجهه، فقال لى بأنه تعرف على أحد السيدات المتزوجات فى مكان عام وجرى الحديث بينهم لمدة نصف الساعة، وفى منتصف الحديث وما أدراك ما نوع الحديث سألته هل أنت مسلم أم مسيحى؟ فأخبرها بأنه مسلم – فقالت الحمد لله!! وكأن إسلام هذا الشخص يبرر لها غفران الله للفسق والفجور.
هذا ما يحدث هذه الأيام من بعض ممن نراهم خلف القضبان من جميع المستويات والفئات غنية أم فقيرة – مذنبة أم بريئة – فإنما الحكم لله ومعرفة الحقيقة ليست فى متناول المواطن العادى، لكن تجد المتهمين ممسكين بكتاب الله وكأن الهداية والتوبة وصلت إليهم وهذا حقهم على الله لأنه قابل التوب وغافر الذنب، ولكن إن كان إمساكهم لكتاب الله استعطافا للمحكمة وابتزازا للرأى العام فهذا شأنا آخر.
لست مع هشام والسكرى ولا ضد سوزان تميم – ولست مهتما بالقضية من أساسه إلا من منطلق العدل الإلهى، وعدم التفرقة بين خلق الله فى أى صورة !!! وبأى معنى. وأن النفس بالنفس – مهما كانت الشبهات المنسوبة إلى أصحابها، فهذا فى علم الله، وحسابه على الله.
ومن الواضح بأن هناك جهات إعلامية تعمل على قدم وساق لتجيش الرأى العام ضد الحكم الصادر بحق مرتكبى جريمة سوزان تميم بدعاوى كثيرة واتهام القاضى بعدم الحيادية، واتهام المجنى عليها بصفات كثيرة، وبوجود نظرية المؤامرة، وإضفاء هالة من التقديس فى حق الجانى.
علينا العودة إلى الوراء قليلا – فعندما استباح الأمن كرامة المحامى والمحاماة، وأهدرت كرامته، وعندما سمح بعض القضاة من ازدراء المحامين وعدم تمكنيهم من القيام بدورهم على الوجه الأكمل بالاستجابة إلى طلباتهم للدفاع عن موكليهم. لم يدرك هؤلاء القضاة بأنه سوف يأتى عليهم الدور فى أن تستباح حقوقهم، وكان هناك بعض البوادر التى لم يتفهمها القضاة والرسالة التى تم توجيهها لهم سواء من الأمن أو من البلطجية المنتشرين فى ربوع هذا الوطن _ ونتذكر اعتداء ضباط الشرطة على أحد القضاة وكسر ذراعه – ثم اعتداء البلطجية على القضاة فى الانتخابات التشريعية السابقة، والتى جند لها النظام كل أدواته حتى يمكن تمرير المادة 88 من التعديلات الدستورية بعدم إشراف القضاة على الانتخابات حرصا على جلال وهيبة عملهم. وكانت الخطة والمؤامرة قد تمت على أكمل وجه ولم يفطن القضاة إلى ذلك، والآن أصبح حكم القضاء والقضاة أنفسهم بإحكامهم التى لا تجد هوى لدى فى نفس المفسدين والذين على نفس الدرب سائرون، مستباح النقد لهم ولإحكامهم والتشكيك فى نزاهتهم، وللأسف الشديد إنهم يحطمون مصداقية آخر حصن يأمن فيه المواطن على حقوقه، كأنها رسالة موجهة للمواطن قبل القاضى بأننا نعيش عصر الجاهلية من جديد – فإن أخطأ فينا القوى والغنى سامحناه وإن أخطأ فينا الفقير الضعيف أقمنا عليه الحد.
رفقا بهذا الوطن وكفى تدميرا لثوابته وتعريضا بالقضاء، وألا يحاول بنا البعض إلى العودة إلى شريعة الغاب، وعلينا أن نجل قضاتنا، ونحترم أحكامهم، ونفعل القانون فى كل من تسول له نفسه من النيل منهم، أليس هناك محام رشيد يعرف ويعلم بأن خط الدفاع الأول هو الدفاع عن القضاء الجالس، والذى يعود بالتالى على بحقوق القضاء الواقف، أم أن الكيل بمكيالين هى ثقافة مصرية قبل أن تكون أمريكية، أو غربية، فكيف يتبارى بعض المحامين فى رفع الدعاوى أو بعض رجال الدين ضد بعض الأشخاص بعينهم خدمة لأهداف وأجندة ما، ولا يأخذون فى الاعتبار الدفاع عن القضاء.
شعب يمنح ويوجه دائما من قبل الإعلام وخبرائه فى إعطاء صكوك الغفران لمن يريدون ويتعاطفون، وينصبون المشانق لمن يريدون من الشرفاء فى هذا الوطن.
سامى عبد الجيد أحمد يكتب..استباح نفسه من استباح غيره
الأربعاء، 10 يونيو 2009 11:22 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة