فى تلك السنوات الصعبة التى عاشتها مصر فى ترقب وعاشتها إسرائيل فى حذر, كانت المدمرة "ناصر" تشق عباب البحر وعلى متنها قائد لواء المدمرات اللواء جلال فهمى ورئيس أركانه العقيد فاروق زويل ومعهم طاقم المدمرة، فى طريقهم إلى تنفيذ إحدى مهام التدريب القتالى، كان ذلك فى 9/11/1969.
المهمة الرابعة فى هذا التدريب كانت تطبيقاً عملياً على الضرب، وكان الأمر فى ظرف لا يفتح إلا الساعة "23,59" ـ 12 ليلاً.. وكانت المفاجأة.
وضعت الخرائط وتم تعيين الهدف وحساب المسافات فيما يعرف بالإحداثيات، وبدأ إطلاق النار فى الساعة1.00ــ الواحدة ليلاً، وتم التدمير بنسبة لا تقل عن 95 فى المئة للهدف، وكان الجميع يشاهد النيران المشتعلة فى مخازن الذخيرة الإسرائيلية فى "رمانة وبالوظة" الوقاعة شمال يناء، من على مشارف الإسكندرية.
فى طريق العودة للمدمرة ناصر وعند مجىء الفجر، ظهرت الطائرات الإسرائيلية للانتقام وقامت المدمرتان ناصر ودمياط المصاحبة فى نفس المهمة، بإطلاق قذائف لعمل ستائر دخانية لتحجب الرؤية لتذهب كل النيران الإسرائيلية هباءً منثوراً، وتلقت المدمرتان تعليمات القيادة عبر اللاسلكى "ادخل فوراً".
كان يوماً لا ينسى من ذاكرة فاروق زويل ضابط البحرية المشاكس اللماح، الذى يحمل على جبينه تفاصيل البحر وأهواله، وهو أحد أفراد دفعة 1947 لـ "فيكتوريا كولج" بالإسكندرية والتى ضمت معه النجم العالمى نور الشريف والفنان الشامل سمير صبرى وغيرهم، وقد كان لفاروق مكانته الخاصة عند والدته رغم مزاجيته الشديدة ومراسه الصعب.
شاءت الأقدار لفاروق زويل أن يكون قائد لواء المدمرات، ففى حرب أكتوبر73 حيث صدرت له التعليمات قبل الجميع بإغلاق باب المندب وتأمين البحر الأحمر، كان ذلك فى غرة أكتوبر، وفى أول تحدٍ صريح لفاروق زويل، رفضت سفينة أمريكية كانت متجهة إلى تل أبيب التحذيرات، فأعطى الأوامر بضربها حتى غرقت.
ثلاث مدمرات مصرية فى البحر الأحمر قامت بمهمة الإغلاق والتأمين طوال الحرب على أكمل وجه، لكن عقبة كبرى كانت تواجهها فى تموينها بالوقود والمياه، حيث كان عليها الحصول من عدن عاصمة اليمن الجنوبى الشيوعى الذى كان يدين بالولاء للاتحاد السوفييتى، الرفض كان واضحاً وصريحاً ومخيباً لآمال مصر فى الساعات الأخيرة قبل بدء الحرب.
لحظات عصيبة مرت على فاروق زويل، المعنى الأول بحل المشكلة أمام قائد البحرية المصرية "فؤاد زكريا" والذى بعث برسالة لاسلكية يقول فيها "انزل يا فاروق مصر وحل المشكلة".
تحت الأرض وفى غرفة عمليات الحرب كان لقاؤه بالمشير أحمد إسماعيل قائد القوات المسلحة الذى استقبله قائلاً
"جرى إيه يا فاروق، انت خايف تسافر وتقابل رئيس عدن"؟
فاروق قام منتصباً من على كرسيه وقال بعنفوان الموج الهادر"أنا مش جبان، إدينى مهمة انتحارية دلوقت حالاً وإن مانفذتهاش اضربنى بالرصاص" .نظر له المشير وهز رأسه قائلاً
"روح دلوقتى واستنانى فى مكتب السكرتير بتاعى"، نصف ساعة قضاها زويل فى الانتظار والمشير فى مداولاته مع الرئيس السادات ثم صدرت التعليمات.
سافر زويل مع السيد حسن صبرى الخولى للتفاوض مع السلطات اليمنية الجنوبية لتموين المدمرات بالوقود والمياه، ولكنهما توجها قبل ذلك إلى السعودية.
توقفت محركات الطائرة التى حملت الوفد المصرى على أرض مطار جدة وكانت فى انتظارهم على بعد أمتار سيارة كاديلاك أمريكى، استقلوها بصحبة شقيق الملك فيصل، وبعد عرض الموقف عليه قام بإجراء اتصال تليفونى من داخل السيارة، وإذا بالجميع يسمع بوضوح صوت الملك فيصل، والذى جاء رده بعد عرض المشكلة بكامل أبعادها من زويل والخولي، "روح لعدن وامر رئيسها بتموين المدمرات وقول له لورفضت الشركة الروسية المعنية، أممها، وأنا حتكفل بكل التعويضات".
دموع زويل انحدرت من مقلتيه وهو يروى لى ما حدث منذ أكثر من 35 عاماً ويقول "اشهد أن الملك فيصل هو أحد الأبطال الكبار فى نصر أكتوبر، ولذلك قتلوه كما قتلوا السادات".
بقى زويل فى عدن بعد عودة الخولى إلى أن انتهت الحرب واستتب الأمر، ثم عاد ليرأس قيادة قاعدة بورسعيد البحرية ثم إلى أكاديمية ناصر وأخيراً إلى هيئة ميناء الإسكندرية.
فاروق زويل ضابط البحرية الفذ الشجاع يذوى الآن فى مسكنه الهادئ فى حى رشدى بالإسكندرية حوله صوره التى تذكره برحلته الطويلة مع البحر والوطن، خاصة صورة جمعته بأبناء الدفعة الرابعة، وهى الدفعة الوحيدة التى حضر حفل تخرجها اللواء محمد نجيب، كرئيس للجمهورية فى 8 أكتوبر1952م.
عدد الردود 0
بواسطة:
سعيد سعيد
سعيد
سعيد