«إلى شبابنا الذى غامر بحياته فى مراكب الموت بحثًا عن فرصة عمل لإعالة أسرة وبناء مستقبله، نقدم الوظائف الآتية والأولوية فى التعيين للناجين والأقارب المباشرين لضحايا مراكب الموت.. آملين أن ينضم لمبادرتنا كل رجال الأعمال الوطنيين بأن يفتحوا أبواب الرزق والعمل أمام أبنائنا فى كل بقاع مصر، فمصر أولى بأولادها».
هذه الكلمات كتبت فى إعلان ضخم غزا الصحف المصرية إثر غرق أحد مراكب الهجرة غير الشرعية التى أودت بحياة المئات من الشباب قبل أن يغادر عام 2007 بساعات.
الإعلان الذى كان بتوقيع رجل الأعمال المصرى نجيب ساويرس، لا يعرف أحد مقدار الجدوى الذى وصل إليها، ولا مدى المساندة التى لاقاها من رجال أعمال آخرين يرون أيضًا أن مصر أولى بأولادها.
ففى مصر (4) ملايين فتاة عانس و(5) ملايين ابن حلال عاجزون عن تأثيث بيت، (14) مليون تحت خط الفقر، و(16000) مريض بالدرن، و(506) قرى فقيرة، و(6) ملايين مواطن لا تصلهم مياه مأمونة، و(4.4) مليون يعيشون بدون صرف صحى، والمزيد والكثير مما هو بين الأقواس مما هو مرشح للزيادة بلا نقصان.
ما سبق بعض من الأوتار المصرية الحساسة التى لا يجيد 200 ألف رجل أعمال مصرى العزف عليها.
وتستطيع أن تشعر بالحرج الكبير وبلا أى حرج- إذا ما سولت لك نفسك أن تقيس مدى النضج النفسى، والعاطفى، والذهنى لقطاع عريض من أبناء الوطن يدعون «رجال أعمال»، يتحولون أحيانًا أو مؤقتًا إلى فاعلى خير، أو مؤدين للصدقات، راجين للحسنات، غير ناسين حظهم من النزوات والهدرات المالية الجديرة بأن تخرجهم مبكراً على المعاش من الحياة بأسرها، كما يرى د. اسكندر جريس استشارى الطب النفسى، والتى لا تترك لك الفرصة لأن تتوقع أن يكون لهم اهتمام بأى كيان اجتماعى يعيشون فيه.
رجال الأعمال الذين كان عددهم 200 فرد فقط، يتحاكى عنهم الناس فى الحقبة الساداتية كانوا عددا يملك بضعة ملايين وليس مليارات، تطوروا تصاعديًا وتشابهوا مع نظرائهم فى الغرب فى اللغة، والهيئة الأنيقة، والتعبيرات المنمقة، إلا أن هناك أى فى أوروبا واليابان- كانوا يسمون بـ«المتطهرين» لوعيهم بالدور الاجتماعى الواجب عليهم وليس الممنوح منهم فضلاً أو عطية أو حتى إحسانا يثابون عليه فى يوم الحساب .. ومازال رجال الأعمال لدينا عاجزين عن استحقاق منح اللقب «المتطهرين»، وفق الدكتور على ليلة رئيس قسم الاجتماع بجامعة عين شمس، فالهوة ما زالت واسعة جدًا بين حجم الثروات لديهم وحجم ما يساهمون به فعليًا لتغيير صورة الفقر والعوز فى مجتمع، كان يعرف المصرى فيه قديمًا على أنه الـ«فهلوى» أى الـ (حرك) وليس اللص أو النصاب!
فى ظل هذه الصورة، لا بأس أن تحلم أيضًا برجل أعمال لا يفتخر بأن علاقته بوسائل الإعلام قائمة على الدعاية، أو الاستثمار، أو حتى خطبة امرأة فاتنة، وحتى يتحقق ذلك أمامنا على الأقل 50 عامًا فى تقدير د. شوقى العقباوى استشارى الطب النفسى.
فهناك شريحة ليست هينة من رجال الأعمال تصفها الإخصائية النفسية د. داليا الشيمى بأنها تعتقد على الدوام بحاجة لأن تبرهن لنفسها أولا وللآخرين أنها قادرة على امتلاك كل شىء.
ولكن لأن الهرم الاجتماعى السليم انعكس وأصبح مقلوبًا بحسب د. هانى السبكى، فثروات معظم رجال الأعمال هى عبارة عن بيزنس عائلى أو نتيجة المضاربة فى البورصة أو شراء توكيلات شركات أجنبية، هى أموال غير متعوب عليها، تم القفز عن طريقها إلى طبقة اجتماعية لم يكن الواحد منهم يحلم بها، فلا يرجى، والحال هكذا أن يكون هناك تفكير فى تبنى مشروعات كبيرة ومؤثرة، مثل تطوير عشوائية أو بناء مستشفيات مجهزة تقدم خدمات حقيقية للمواطنين، أو بناء مدارس.. إلخ، فليس هناك وجه مقارنة بين من ينفق، و9 ملايين دولار لحفل زفاف «ع الضيق»، وبين تفكير طلعت حرب مثلاً.
ويظل أقصى أمنيات بعضهم عندما يتوجه إلى الله بالدعاء، كما صورها خالد جلال مخرج العرض المسرحى «قهوة سادة» أن يهديه الله إلى اختياره لشكل حمام السباحة بفيلته، أو أن يوسع الله من مضيق بنما لأن سفينته متعثرة عن عبوره لضخامتها، أو يوفقه فى العطاء والمناقصة التى تقدم لها بعد أن أخذ بالأسباب فأعطى الرشوة لكل أعضاء لجنة الفرز، أو ألا يجد ما يدعو الله به لأنه يمتلك كل ما أراد فيدعو الله أن «يحوجه».
هناك جزء من المجتمع يسير باتجاه الجنون بالفعل.. أحدهم لقلة المال والآخر لكثرته.
لمعلوماتك...
◄66 ألف أسرة تعيش فى عشش صفيح وأكشاك خشبية
بالتسقيع والاحتكار أم ترصيع موائد الأفراح بالكريستال أم دخول مجلس الشعب أم.....
كيف يحصل رجال الأعمال فى مصر على ملايينهم وبرستيجهم؟!
الخميس، 07 مايو 2009 09:48 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة