تحدث الكاتب البريطانى روبرت فيسك عن الغارة الأمريكية المأسوية على المدنيين فى أفغانستان، والتى أدت إلى سقوط ما يقرب من مائة قتيل من بينهم نساء وأطفال.
وفى مقاله بصحيفة الإندبندنت، اليوم، الخميس، تنبأ فيسك بالسيناريو الذى سيتم فى أعقاب هذه الغارة قائلاً: بالطبع سيكون هناك تحقيق, ثم سيقال لنا إن كل المدنيين الأفغان القتلى كانوا يُستخدمون كدروع بشرية من قبل حركة طالبان، وسنقول بعد ذلك إننا نشعر بـ "الآسف العميق"ـ فى إشارة ساخرة إلى تعليق وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون على هذه الغارة ـ لمقتل هؤلاء الأبرياء. لكننا سنقول أيضا إن مسئولية هذا تقع على الإرهابيين وليس خطأ طيارينا الشجعان ولا خطأ القوات الخاصة التابعة لمشاة البحرية الأمريكية، الذين كانوا فى مهمة استكشافية فى "بالا بولوك" و"جنجاباد".
وبأسلوبه الساخر المعتاد، يضيف الصحفى المخضرم: عندما تدمر القوات الأمريكية منازل العراقيين, تفتح تحقيقا! وكم يحب الإسرائيليون التحقيقات (رغم أنها نادرا ما تكشف عن أى شىء). هذا هو تاريخ الشرق الأوسط الحديث. فنحن دائما على صواب عندما لا نكون كذلك, وفى بعض الأحيان نعتذر، ثم نلقى اللوم كله على الإرهابيين. نعم نحن نعرف جيداً أن قاطعى الرؤوس والمفجرين الانتحاريين ومن يقومون بذبح البشر مستعدون تماماً لذبح الأبرياء.
وبدا الرئيس الأفغانى المغلوب على أمره حامد كرازاى وهو يعلق على ذبح أبناء وطنه، كما لو كان مصدر إلهام للخير عندما دعا إلى "مستوى أسمى من الأخلاق" عند شن الحروب، وإلى أن نكون "بشراً بشكل أفضل" وقت تنفيذنا للعمليات العسكرية.
والسبب بسيط للغاية، نحن "أى الغرب" نحيا وهم يموتون، نحن لا نخاطر بأبنائنا الشجعان على الأرض من أجل المدنيين، أو من أجل أى شىء. أطلقنا قذائف الفوسفور على الفلوجة، وأطلقنا قذائف الدبابات على النجف. نحن نعرف أننا نقتل الأبرياء، وإسرائيل تفعل الشىء نفسه، وتقول الشىء نفسه بعد أن قام حلفاؤها بارتكاب مذبحة بحق 1700 فلسطينى فى معسكر صابرا وشاتيلاً للاجئين الفلسطينيين عام 1982. وكما فعلت عندما لقى أكثر من ألف مدنى من الأشخاص مصرعهم فى حرب لبنان عام 2006 وعند موت أكثر من ألف فلسطينى فى حرب غزة بداية هذا العام.
فالسياسة التى يتبعها الغرب وإسرائيل واحدة، وهى: "كلما قتلنا مسلحين، إرهابيين بالطبع، فذلك تكتيك الدروع البشرية كما هو معهود"، وسيتم إلقاء اللوم على الإرهابيين، وتكتيكاتنا العسكرية الآن متوافقة تماما مع إسرائيل.
الحقيقة أن القانون الدولى يحظر استهداف الجيوش للأماكن الآهلة بالسكان، كما يحرم القصف الوحشى للقرى حتى لو تحصنت بها قوات العدو، لكننا ضربنا عرض الحائط بكل ذلك فى قصفنا للعراق عام 1991 وللبوسنة، وفى حربنا على صربيا ومغامرتينا بأفغانستان منذ عام 2001 وبالعراق منذ عام 2003.
دعونا إذن نجرى هذا التحقيق، ونلقى باللوم على الإرهاب ثم الإرهاب ثم الإرهاب. وسواء كانت الضحية شخصا بريئاً أو إرهابياً، مدنياً أو عضواً من طالبان، فإن اللوم دائما يوجه للمسلمين.
