«صدفجى.. دى شغلتى من وقت ما كان عمرى 7 سنين» هكذا تكلم عم صابر الذى ولد يتيماً فى ربع كاظم بخان الخليلى عن نفسه، رحلة تطعيمه للترابيزات، والفازات, والعلب, والبارفانات الخشب منذ 50 عاما، تبدأ بشراء عدد من كيلوات الصدف من أحد تجار الجملة بالحسين، يقول: «بعدما التجار بيطلعوا اللؤلؤ من الصدف بيرموا القواقع اللى بيعتروها قشر، لكن إحنا بنشتريها الكيلو بـ 40 جنيه وفيه صدف يابانى بـ80 جنيه، وده أحلى وأنضف صدف، بعد كده بانقعه فى الميه لمدة أسبوع علشان تترد له الروح ويطرى، والخطوة دى مهمة جداً لأن الصدف بيتولد فى الميه، فلما برجعه لها بتترد له الروح وألوانه بتبان وتزهزه، إشى برتقالى على بمبى على فوشيا على بنفسجى على أصفر، دنيا جميلة»،
ويستكمل عاشق الصدف حديثه فيضيف: «باشتغل بعدما يطرى الصدف بالسنفرة، ثم النشر بالمنشار وبنخليه الأول زى قطعة التوست وبعدين بنسلّخ القطعة دى إلى قطع صغيرة فى حجم أعواد الكبريت، ثم إلى الأشكال التى نريدها، مثمنات، مخمسات، مثلثات، وهكذا ثم نلقطها بشوكة مخصصة مع قطعة غراء مناسبة ونبدأ اللزق، وفى الوقت نفسه بنطعهما بحاجة اسمها الـ«طبخ» وده مادة بلاستيك رقيقة جداً بنعمل منها مع الصدف كوكتيل، ودى بتنطّق الصدف فيظهر وينور على الخشب».
الصبر الذى تحدث عنه عم صابر فى البداية، الذى تحتاجه مهنته لكى يبدع ويستمر، لابد أن يمتزج بالحب والرغبة، رغم ضيق العيش، يقول عاشق الصدف: «أنا خلفت 5 أولاد علمتهم وجوزتهم كلهم ومعنديش لا بيت ملك ولا عربية، بس سافرت فرنسا وألمانيا وسويسرا علشان القدر عايز كده، والحكاية دى حصلت يجى من 20 سنة كنت قاعد فى أمان الله قدام المحل لقيت أفندية بعربية وقفوا وبيقولوا لى إنت شغلك فى الصدف جميل، تسافر فرنسا؟!
طبعاً ذهلت لأنى بسمع عن فرنسا سمع وبشوفها بس فى الأفلام وماكنتش مصدق أن الصدف ح يودينى فرنسا، وفعلا طلعوا أصحاب معارض هناك وبيقدموا للناس أصحاب الحرف النادرة فى العالم واللى لها قيمة وامتداد حضارى، وفعلا سافرت وقتها وهناك كنت بشتغل بأدواتى فى مكتب أنيق أمام الجمهور وبقت تيجى لى طلبيات, وبقيت «فنان» بطلع فى الجرايد الفرنسية والألمانية، والحقيقة هم أناس عندهم ذوق عالى وبيقدروا الشغل اليدوى، واشتغلت هناك ولفيت فرنسا وألمانيا وسويسرا على حس الصدف، وحتى اليوم بابعت لهم طلبيات من السوق المصرى هنا لأنهم بيعشقوا الصدف».
ويتنهد عم صابر الصدفجى قائلاً: «المهنة بتنقرض فى مصر دلوقت، للأسف مافيش صنايعية، ده لما بحب أجيب سندوتش بقفل المحل وأرجع تانى أفتحه ومافيش حد بيساعدنى ولا بشرّبه المهنة، بقى كل همنا على لقمة العيش ونرجع نقعد قدام الدش نتفرج على العالم، معادش خلاص، والأخطر أنه أسهل حاجة على التجار النهاردة إنه الواحد من دول يجرى على الصين ويجيب له شوية بضاعة يغرقوا بيها خان الخليلى، مين يصدق إن خان الخليلى يبقى بضاعته صينى، والأجانب بيشتروها ويسيبوا شغلنا اليدوى».
قبل أن نغادر عم صابر الصدفجى وحديث ذكرياته وأناته لاحظنا صورة للرئيس السادات معلقة على الحائط يحمل فيها علبة من الصدف.. سألناه عنها فقال: «آه ده زمان لما كان الرؤساء بتقدر شغلنا والصورة دى للريس وقت افتتاح منشأة جديدة والله ما فاكر كانت إيه بس العلبة دى قدموها هدية للريس وكان فيها مصحف ومن يومها وأنا معلقها علشان أحسس ولادى إن أبوهم بيشتغل شغلانة لها قيمة».