قصة مكررة تجرى مع حكومات مصر المتعاقبة من حكومة الجنزورى وحتى حكومة نظيف، إسناد حل بعض الملفات والقضايا إلى أشخاص وزعماء قبائل، ويتم الإفراط فى ذلك بما يكشف أحيانا أن الحكومة تتخلى عن دورها فى إدارة عدد كبير ومهم من ملفاتها وتسندها بالوكالة إلى نواب أو حزبيين، وأحيانا إلى مجرمين فى صعيد مصر بشكل عام وجنوبه بشكل خاص، ملفات المصالحات الثأرية والفتنة الطائفية وتدعيم الحزب الحاكم ووأد أنشطة أحزاب المعارضة تماما من الشارع السياسى والتصدى للجماعات المتطرفة، وأخيرا ملف مزارعى قصب السكر، ملفات حيوية تعجز الحكومة عن إدارتها بنفسها فى محافظات الصعيد التى تتميز بخصوصية من حيث العادات والتقاليد والطبيعة الجغرافية، بالإضافة إلى الغياب التام لدور منظمات المجتمع المدنى، وينتج عن ذلك أن يتجاوز بعضهم دوره.
أبرز هؤلاء الأشخاص هو محمد عبدالمحسن صالح أمين الحزب الوطنى بأسيوط السابق وأمين الإدارة المحلية بالحزب حاليا والذى أسندت له الحكومة ملف مواجهة الفتن الطائفية ولعب الدور الأبرز فى محاربة الحزب الناصرى بالمحافظة خشية تناميه فى ظل تعاطف الناصريين لكون أسيوط مسقط رأس الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كان «عبدالمحسن» يلعب الدور الأبرز فى مواجهة الناصريين لصالح الحزب الوطنى فى الانتخابات البرلمانية والمجالس المحلية.
صالح كان له دور مهم فى دعم الجماعات الإسلامية فى عصر السادات، فى جامعة أسيوط ضمن خطة دعم الإخوان لمواجهة اليسار والناصريين فى الجامعات.
تعرض صالح لهجوم فى أسيوط من المعارضة وكثير من المسلمين والأقباط واتهم باستغلال النفوذ وإجبار الأقباط على ترك دينهم وإعلان إسلامهم، مقدما لهم الأموال والحماية، لكنه نفى كل هذه الاتهامات وقال إن قيادات الحزب الوطنى كانت تثق فيه ثقة كبيرة وترى أن هذه الاتهامات نكاية به، وأنه كان يؤدى دوره وينفذ متطلبات العمل الحزبى بشكل مثالى، ولا يعيبه أنه يبذل قصارى جهده فى إعلاء شأن حزبه، لذلك قررت قيادات الحزب تصعيده وإسناد مسئولية أمانة الإدارة المحلية والشعبية بالحزب الوطنى له، وذلك اعترافا بنجاحه فى إدارة الملفات التى أسندت إليه بحنكة وقدرة كبيرتين.
ملف مزارعى قصب السكر فى جنوب صعيد مصر من الملفات الحيوية، فهو محصول استراتيجى تقوم عليه 6 مصانع تنتج %75 من احتياجات السوق المحلية من السكر، أسندت الحكومة مهام إدارة هذا الملف للنائب عبدالرحيم الغول رئيس لجنة الزراعة بالبرلمان وعميد قبيلة العرب، نظرا لكون دائرته الانتخابية نجع حمادى التابعة لمحافظة قنا من أبرز الدوائر المنتجة لمحصول قصب السكر، اللتين يتصل بهما ملف قصب السكر.
ومن القصب إلى إنهاء الخصومات الثأرية وقيادة لجان المصالحات والمجالس العرفية التى أرهقت الحكومة وفشلت فى إدارتها بشكل رسمى، حيث تم إسناد الملف لزعماء العائلات والقبائل فى صعيد مصر «الجوانى» على أن يكون مسئولا عن هذا الملف السيد محمود الشريف، نقيب الأشراف وأحد أبرز قيادات الحزب الوطنى، وجاء هذا الإسناد لسببين الأول أن نقيب الأشراف بمنصبه يتمتع بقبول كبير بين أبناء الأشراف البالغ عددهم قرابة الستة ملايين نسمة، يتركز %85 منهم فى محافظتى قنا وأسوان، بجانب أن محمود الشريف ينتمى لعائلة الشريف الشهيرة فى مدينة أخميم بمحافظة سوهاج، ومازال يقطن وأسرته هناك، فهو قريب من الأحداث ولديه فهم كبير لعقلية أبناء الصعيد، ولديه أيضا مفاتيح كل مشكلة من المشاكل، ويرتدى ما يرتدون، ويتحدث بنفس اللهجة، لذلك فإن وزارة الداخلية ممثلة فى قيادتها الأمنية تستعين به لقيادة ملف إنهاء الخصومات جنبا إلى جنب مع لجان المصالحات فى كل محافظة، العرفية البدوية فى سيناء ومرسى مطروح والوادى الجديد، وقد حققت هذه اللجان نجاحا مبهرا فى إنهاء عدد كبير من الخصومات الثأرية فى الصعيد، وتمكنت من وقف نزيف الدماء، إلا أن هذه اللجان لم تحقق النجاح ذاته فيما يتعلق بالصراع بين عنصرى الأمة المسلمين والأقباط، لأن رجال الدين كثيرا ما يعطلون قرارات التوصل إلى الحلول. ملف المصالحات هو تطور للملف الأمنى الذى أوكلته الحكومة فى منتصف التسعينيات وحتى 2004 إلى زعماء العائلات والقبائل لمواجهة الجماعات المتطرفة المسلحة التى اتخذت من محافظات الصعيد قاعدة تنطلق منها إلى باقى أنحاء الجمهورية، كما لجأت إلى عنصرين بارزين اضطلعا بدور محورى فى تصفية هذه الجماعات الأول، نوفل سعد ربيع «خط الصعيد» الذى لاقى حتفه أوائل العام الماضى على يد الشرطة. نوفل سعد ربيع من قرية «حمرة دوم» مركز نجع حمادى محافظة قنا أكد فى حوارات صحفية عديدة وبالوثائق والمستندات أن الحكومة لجأت إليه لتصفية العناصر المتطرفة.
والعنصر الثانى هو عزت حنفى امبراطور النخيلة بمحافظة أسيوط.
لمعلوماتك...
◄1990اعتمدت الدولة على العائلات لتصفية الإرهابيين