أكرم القصاص - علا الشافعي

جمال أسعد

تمييزا يا جماعة التمييز

الخميس، 07 مايو 2009 09:50 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التمييز يعنى التعامل مع جماعة من المواطنين بشكل يهدر حقوقهم الدستورية والقانونية والاجتماعية دون باقى المواطنين بسبب العقيدة الدينية أو الجنسية أو اللون.. إلخ. والحديث عن التمييز الدينى يعنى التمييز ضد أصحاب عقيدة دينية عن معتنقى عقيدة أخرى.

وفى الغالب هذا هو المقصود، التمييز ضد المسيحيين لصالح المسلمين. وبداية فنحن والجميع ضد التمييز وضد أى أحد وكل أحد وبكل أشكاله وعلى كل ألوانه.

ذلك لأن الدستور والقانون وقبلهما الأديان بمقاصدها العليا السامية ترفض التمييز ولا فرق بين عربى ولا عجمى إلا بالتقوى. فهل هناك فى الواقع تمييز بين المسلم وبين المسيحى؟ الجواب: نعم. ولكن قبل هذا السؤال هو: هل يوجد تمييز فى الأساس بين مواطن ومواطن على غير الهوية الدينية؟ نعم وهذا هو مكمن الخطر وأس البلاء. فالتمييز يضرب بأطنابه وعلى كل المستويات فهناك فرق بين الغنى وبين الفقير بين ساكنى القاهرة فى أحيائها الفاخرة وبين ساكنى قبورها. بين أهل العاصمة وما على شاكلتها وبين أهل الصعيد.

بين المدينة وبين الريف. بين ابن الوزير والرئيس وبين ابن المخبر. أى أن المجتمع يعانى حالة معقدة من التمييز الفئوى والطبقى والاقتصادى والاجتماعى والدينى والسياسى. ولذا لا ننكر أن حالة التمييز الدينى ضد الأقباط والتى انضم لها هذه الأيام من يسمون بالبهائيين. هى حالة ليست فريدة ولكنها هى نتاج ممارسات مجتمع تراكمت تاريخيا فأثرت فى الضمير الجمعى فى الإطار الاجتماعى الذى انسحب على باقى المجالات.

ولاشك أن السبب الرئيسى فى تلك المشكلة هو إسقاط القانون فى مجتمع تسوده القبلية وتغلفه العشائرية وتحتويه الطائفية. فهو ذلك المجتمع البطريركى الأبوى الذى يرث ممارسات ويسحب عليها قداسة غير واجبة ويمنح تمييزا للبعض على حساب الآخر دون مبرر.. ولنناقش بصراحة التمييز ضد المسيحيين.

لاشك أن هناك هذا التمييز ولكن لابد من نظرة أكثر عمقا لأسباب ومسببات هذا التمييز حيث أنه ليس وليد اليوم ولا هو نتاج ممارسات حالية أو آنية ولكنه هو نتيجة لممارسات تاريخية متوارثة. قد احتوتها ظروف عدة. فلا أحد يستطيع أن يسقط من الحساب تلك العصور التى اضطهد فيها الأقباط خاصة أيام الحكم الرومانى. وفى بعض فترات سلطة أجنبية تسمى إسلامية ولا علاقة للإسلام بممارسة تلك السلطة الشىء الذى خلق فى الضمير الجمعى القبطى حالة من حالات كره هذا الاضطهاد. والشىء الآخر جعلهم فى حالة ديمومة واستمرارية لهذا الاضطهاد لدرجة أنهم إذا لم يجدوه اخترعوه.

هذا التاريخ جعل الأقباط يقتنعون أنهم أقلية بل ظلت الأنظمة السياسية تتعامل معهم كأقلية بل قل كجالية أجنبية. ولكن لاشك أن هذا التاريخ قد ولى وراح. وأن هناك تقدما ملموسا فى استرداد حقوق الأقباط وعلى كل المستويات. وأهمها المستوى الاجتماعى فلا يوجد تقريبا من يزدرى المسيحى الآن ويقول «يا نص ملة» أو «يا عظمة زرقاء» كما أتيح الآن وقد فتحت كل المنابر لمناقشة مشاكل الأقباط وعلى كل المستويات.

وهذا لا يعنى أنى أنكر أن هناك مشاكل للأقباط سواء من حيث وجودهم فى بعض المواقع مثل المواقع الشرطية أو المخابراتية أو العسكرية أو رؤساء جامعات أو عمداء كليات.

ناهيك عن تلك المشكلة التى يتم استغلالها هذه الأيام أكبر من حجمها الطبيعى وهى بناء الكنائس. أو التمثيل فى المجالس التشريعية. هنا وبدون خلط ولكن للتوضيح. هل تلك التمايزات تقع على الأقباط فقط أم تقع على بعض المسلمين بل كثير من الكفاءات المسلمة؟ نعم التمييز ضد الجميع. فمن لا يملك واسطة لا يصل إلى حق. ومن له ظهر يصل على حساب الأكفأ والأنجح. فهل يوجد غنى مسيحى يعانى من التمييز؟ وهنا لا أقصد أيضا تمييز قضية التمييز الدينى. ولكن أريد أن أقول إنها قضية مرتبطة بالتاريخ وبالممارسة والموروث.

ولا يقتصر حلها على دستور أو قانون أو قرار. بدليل أن الدستور يبدأ بمادة المواطنة فأين حقوق المواطنة للمصرى غير الواصل سواء كان مسلما أو مسيحيا؟ ولذا فهذا يأخذنا إلى نقطة أخرى؟ هل تلك الجماعة التى أعلنت أنها جماعة التمييز الدينى والتى أصدرت توصيات كان محتواها الأهم هو العزف على تلك الأجندة الخارجية أو التى يطلق عليها العلمانية.

وأنا هنا لست ضد الدولة العلمانية والتى تحترم الدين ولا يملك أحد فى مصر إسقاط احترام الدين أو التقليل من دوره الحياتى الموروث. كما أنى مع الدولة المدنية وضد أى شكل من أشكال الدولة أو الحكم الدينى. ولكن من المعروف ومن البديهيات السياسية أنك تتعامل مع جماهير هى التى تضع الدستور والقانون فى إطار التطبيق كما أنه يوجد حكومة ونظام ضعيف ينافق الشارع المسلم المتدين ويزايد على جماعة الإسلام السياسى. إذن فالبداية والنهاية هى المواطن إذا لم يربى ويثقف ويقتنع المواطن بقبول الآخر ويدرك أن المقاصد العليا للإسلام تقبل الآخر وأن الإسلام يدعو إلى الحرية وإلى أن الإيمان وعدمه رهن باختيار الإنسان وبإرادته. هنا فهل تلك التوصيات التى تدعو إلى إلغاء تدريس الدين فى المدارس أو إلغاء تدريس بعض النصوص القرآنية. أى تلك التوصيات التى يشم فيها المواطن المسلم رائحة المساس بالمعتقد.

وهنا لابد لنا من التعامل مع الواقع بهدف تغييره إلى الأحسن ليس من خلال القرارات والتوصيات التى تعقد الأمور ولا تحلها. ولكن من خلال العمل المشترك ثقافيا واجتماعيا وسياسيا. من خلال العمل السياسى الحقيقى الذى يطالب بديمقراطية حقيقية لا تساهم فى تكديس التفرقة والتمييز الحادث على كل المستويات وضمنه التمييز الدينى.

النضال يا سادة ليس فى تلك المؤتمرات أو هذه التوصيات. الأهم هو كيف نغير صورة التعامل المجتمعى كيف نصل إلى خروج المسيحى من الكنيسة تلك التى تعطيه تمايزا ثقافيا ورياضيا واجتماعيا وماليا. يتمناها ملايين الفقراء من المسلمين. التمييز يا سادة عام وليس خاصا.

حتى ولو كان دينيا فالكنيسة القبطية تتمايز وتتعالى على غيرها من الكنائس. أليس هذا تمايزا؟ المهم هو كيف نعرض واقعنا بتراثه وموروثه حتى نجد الطرق والأساليب التى يمكن من خلالها القضاء على كل أنواع التمايز وبكل صوره حتى تكون مصر لكل المصريين.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة