خالد صلاح

قصة الإجماع الأول والأشهر فى تاريخ البرلمان المصرى.. الإجماع على الالتفاف والصمت والتواطؤ

تقارير محكمة النقض..«غير صالحة للاستهلاك البرلمانى»

الخميس، 07 مايو 2009 09:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم تجتمع الأغلبية والمعارضة فى مجلس الشعب على كلمة سواء، أكثر مما أجمعت فى السر والعلن على إدانة النائب علاء عبدالمنعم وتوجيه اللوم لشخصه، على ما اقترفه من إذاعة أسرار برلمانية تتعلق بأحكام بطلان الانتخابات التى طالت ربع أعضاء مجلس الشعب على الأقل.

إنه الإجماع الأول والأشهر فى تاريخ البرلمان المصرى، إنه الإجماع على الالتفاف والصمت والتواطؤ على ما تحتويه هذه التقارير من تسجيل موثق لفساد عمليات التصويت والفرز فى الانتخابات التشريعية المصرية التى جرت فى نوفمبر من عام 2005، فساد لا تقترفه الأغلبية التابعة للحزب الوطنى وحدها، بل تتوحد أدواته وتتشابه أساليبه بين كل القوى ومختلف التيارات، لا فرق بين وطنى وإخوانى فى مستوى التزييف وحجم (تسويد البطاقات) ومعدلات التواطؤ من أطراف العملية الانتخابية.

لا أبتغى هنا دفاعا عن النائب علاء عبدالمنعم، فظنى أنه لا يحتاج إلى دفاع، فهو وحده بما يتمتع به من جسارة يعادل عشر صحف يومية وأسبوعية، حزبية ومستقلة فى الدفاع عن موقفه، ولا أبتغى هنا أيضا تأكيد أو نفى عدد الطعون الانتخابية التى أشار إليها النائب فى معلوماته التى انفرد بها الزميل محمود مسلم فى جريدة المصرى اليوم، فلا فرق بين أن يكون عدد تقارير بطلان العضوية 77 تقريراً حسبما أشار النائب، أو 32 تقريراً فقط كما أشارت اللجنة العامة لمجلس الشعب. الرقم ليس محور النقاش لأن الأهم بلا جدال هو الطريقة التى يتعامل بها مجلس الشعب تحت قيادة الدكتور أحمد فتحى سرور مع تقارير محكمة النقض من الأساس.

نحن حتما نقف أمام سؤال جارح هو: لماذا تنفق محكمة النقض كل هذا الوقت فى فحص طعون الانتخابات، وكل هذا الجهد لمراجعة عمليات الفرز والتصويت إن كانت تقارير المحكمة (غير صالحة للاستهلاك البرلمانى).. أصلاً؟!

ما الفائدة إن كانت كلمة مجلس الشعب تعلو ولا يُعلى عليها، وإن كانت تقارير المحكمة لا تحرك ساكنا فى البرلمان؟! فلا النواب الذين بطلت عضويتهم بالفعل جرى إقصاؤهم عن دوائرهم، ولا المجلس يشعر بالحياء حين تخفى اللجنة التشريعية فى أدراجها هذه التقارير، وتحولها إلى ملفات للتاريخ لا تسمن ولا تغنى من جوع. هذه التقارير رغم كل الوقت والجهد والفكر الذى يبذله قضاة النقض لا تعيد حقا لأصحابه، ولا تستعيد للعدل مكانته فى ساحة السياسة.

أغرب ما تسمعه بالفعل حول تقارير محكمة النقض فى عينى رجل بحجم وقامة الدكتور فتحى سرور القانونية أن هذه التقارير، حسب رأيه، ليست لها مرجعية الأحكام القضائية واجبة النفاذ ولكنها (مجرد) تقارير للتحقيق والتدقيق فى صحة عمليات الفرز والتصويت، لا يمكن تفعيلها قبل إفادة مجلس الشعب بالنتائج، ويبقى المجلس فى النهاية، قانونيا ودستوريا، هو صاحب الكلمة الأخيرة والنافذة (سيد قراره يعنى) فى صحة عضوية أى من النواب الذين ترى محكمة النقض أن عضويته باطلة.

من منا يجرؤ على مجادلة الدكتور سرور فى القانون والدستور؟ ومن ذا الذى تسول له نفسه خوض نقاش فى الفقه الدستورى فى مواجهة رئيس مجلس الشعب، و(هو من هو)، فى بحر علوم التشريع؟ فالرجل لا يجادل فى القانون أحدا إلا غلبه!، ولكن من منا، رغم هذا العلم والفقه والتخصص لدى رئيس مجلس الشعب، يمكن أن يطمئن قلبه إلى أن هذا الكلام (القانونى) يتناسب مع المنطق والواقع والضمير من الأساس؟!

إن كانت هيئة قضائية فى مستوى محكمة النقض تقضى ببطلان عمليات الفرز والتصويت، ثم ينكر مجلس الشعب هذه النتيجة أو يخالفها فى الرأى، فإن هذا لا يعنى شيئا سوى أن التشريع نفسه الذى منح البرلمان هذا الحق هو تشريع باطل من الأساس، فحين ينطق قضاة محكمة النقض، بحيادهم وعدالتهم وسموهم فوق مؤامرات السياسة، ببطلان عضوية أى من النواب، ثم يمضى المجلس فى الطريق المعاكس لهذا الحياد والعدالة والسمو، فإن هذا لا يساوى شيئا سوى أننا اخترعنا باطلا تشريعيا كأصنام قريش ثم سجدنا لعبادتها على غير علم أو هدى أو سراج منير.

مجلس الشعب يرى أنه صاحب القرار الأعلى، بالقانون، فى حين أن الوقائع التى تدرسها محكمة النقض فى تقاريرها حول الانتخابات تخص الأحداث التى سبقت تلاوة المرشحين للقَسَم داخل مجلس الشعب وتمتعهم بالحصانة البرلمانية، والمحكمة تتعامل مع النائب ليس باعتباره جزءا من (سيد قراره) بل باعتباره مرشحاً حصل على حق لا يخصه، ومقعد باطل تحت القبة، وعلى أصوات لبشر لم يذهبوا من الأساس إلى صناديق الاقتراع، وعلى عضوية تصير هى والعدم، سواء أكانت الانتخابات باطلة أم الأصوات مشكوكا فيها أم الفرز منحرفا ولا يعبر عن الحقيقة.

لا أتحدث هنا باسم القانون، ولا أناطح القامة القانونية للدكتور سرور، ولكننى أتحدث باسم ضمائر حائرة لملايين الناس ترى أن محكمة النقض تقرر بطلانا لا ينفذه المجلس، فتحتار بين تقديرها لأعلى هيئة قضائية فى مصر، وبين احترامها للسلطة التشريعية والرقابية فى البلاد، هذه الملايين تحتاج إلى تفسير، هل تواصل تقديرها واحترامها للنواب وهم يعلمون أن عضويتهم فى المجلس محل شك؟ أم تتجاهل، كما يفعل المجلس نفسه، تقارير محكمة النقض وتعتبرها كأن لم تكن؟.

أم هل ينظر رؤوس الحكمة القانونية فى مجلس الشعب، وأهل الحل والعقد فى السلطة فى تعديل التشريع الخاص بمرجعية محكمة النقض فى هذه الطعون الانتخابية، وبدلا من أن تصبح قرارات المحكمة (مجرد تقارير غير ملزمة)، تصير (أحكاماً قضائية واجبة النفاذ) فيستقر العدل للأبد، ويطمئن الناس إلى نوابهم وقضائهم معاً؟
نشتاق إلى علم الدكتور سرور هنا.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة