«تحركت بنا السيارة على طريق أشد وعورة من سطح القمر وتكدس الصندوق الخلفى للسيارة بصناديق الطعام وبعض الذخائر، بالإضافة إلى سبعة مجاهدين بأسلحتهم وهى حمولة تزيد على ضعف السعة الطبيعية للسيارة فى الظروف العادية.. لم نكن نخشى قصف الطائرات لكن ماكنا نخشاه هو خيانة المقاتلين العرب».. هكذا يتحدث زيد الله مسئول القاعدة فى باكستان لحميد الله أحد مسئولى القاعدة فى أفغانستان فى رسالة تكشف عن انشقاق خطير فى قيادة تنظيم القاعدة فى جبال تورا بورا الأفغانية وخوست الباكستانية.
إرهابيون ومطلوبون للعدالة.. هكذا ينظر العالم للقاعدة ذلك التنظيم العنقودى الذى لانعرف عنه إلا شرائط بن لادن والظواهرى، لكن الجانب الآخر المجهول فى رحلة القاعدة وتفاصيل هيكلها الداخلى، وكيف يتم تجنيد الرجال والنساء بها، وشفراتها السرية، هذا ما تكشف عنه الرسائل السرية ومحاضر جلسات تنظيم القاعدة، التى حصلت عليها «اليوم السابع» من مصادر أمريكية وأوروبية بعدما قامت وحدة مكافحة الإرهاب بالبنتاجون بتسريبها. تكشف الرسائل حقيقة تضخيم القاعدة لنفسها ومحاولة الترويج لفكرة أنهم يمتلكون عقليات استراتيجية عالية وجيوشا لها أسلحة مدمرة وإمكانات هائلة ومنظرين وأطباء خلف خطوط القتال وجهازا إعلاميا رهيبا وليسوا مجرد رجال فى الكهوف والجبال يحملون الكلاشينكوف كما صورهم الإعلام، فى حين تؤكد محاضر اجتماعات القاعدة توالى سقوطهم فى شرق آسيا ثم أوروبا مرورا بالخليج والمغرب وباكستان. وعمل محاكمات وتصفيات دموية لقادتها بسبب الفشل فى مواقع عديدة، واعتقال عدد كبير منهم واختطافهم بواسطة أجهزة المخابرات الغربية والعربية.
وتتحدث الرسائل عن طرق تجنيد الأعضاء واستغلال المواقع الإلكترونية مثل النداء والسحاب والمسلم العالمى، للتواصل مع الأعضاء فى التنظيم وإبلاغهم برسائل وجذب أعضاء جدد، عبر نشر بطولاتهم المزعومة، والمهام التى قاموا بها فى سرد درامى مؤثر لجذب الشباب الباحث عن الأساطير وأفلام الرعب، أو ما يطلقون عليه بطولات تنظيم قاعدة الجهاد، وهى العمليات الإرهابية فى مختلف بلدان العالم.
على طريقة الاستخبارات والأجهزة الأمنية يحرص قادة القاعدة على استخدام الشفرة فى الحديث عن الأسلحة والأموال مثل: التونة والشاى والكركديه، واليمام والفريك، كما يشير لذلك تفريغ أحد شرائط الجهاد بواسطة أم هاجر مسئولة تجنيد النساء فى التنظيم، والتى تقوم بمهمة تفريغ شريط لأحد شيوخ السلفيين الذين يروجون للقاعدة، مثل الشيخ على بن عبدالخالق القرنى إمام مسجد البخارى بمكة، ويتضمن الشريط بعض الإشارات مثل: استمعوا لبرنامج حديقة الشهداء الساعة التاسعة بتوقيت الظهران، والمعروف أن هناك عملية تمت فى الظهران ضد المصالح الغربية، وهناك قواعد عسكرية موجودة هناك، كما أنه لايوجد توقيت بخلاف توقيت مكة.
حفلات الزواج:
لم تفلت المشاعر والمناسبات الإنسانية مثل حفلات الزواج من استغلالها من قبل القاعدة لتوجيه رسائل سياسية معينة من خلال رموز وشفرات حركية مثل الكلمات والأناشيد والأشعار، وتصويرها بالفيديو وبثها على شبكة الإنترنت. ومن أمثلة الشفرات السرية التى تستخدمها القاعدة كما وردت على لسان بن لادن الذى يرمز له باسم «أبوعبدالله» عبارة «دبحنا اليمام وأكلنا الفريك»، للدلالة على عملية فى صحراء المغرب أو سيناء.
وتدل الكلمات العامية المغربية أو المصرية على اسم البلد ويرمز للميعاد بعدد اليمامات ويرمز لعناصر القاعدة وعددهم بأطباق «الفريك»، وفى رسالة من أبوالوليد مسئول القاعدة فى إفريقيا إلى سيف قائد العمليات الميدانى يصف فيها الولايات المتحدة بالنسر الأقرع قائلاً: «لقد هبط النسر الأمريكى على مرمى بنادقكم ويمكنكم قتله أو إصابته بعاهة مستديمة فإن فعلتم فقد أنقذتم السودان وباب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب.. ومياه النيل، هل تريد أهدافا للحرب أروع من ذلك؟».
وفى إحدى الرسائل يطلب زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ويرمز له بالرمز الحركى «أبوعبدالله» من أتباعه مبايعة الملا زعيم طالبان كأمير للمؤمنين فى قندهار وعموم أفغانستان وجبال تورا بورا.
وفى إحدى الرسائل يطالب قادة القاعدة فرع الخليج بتفيذ عمليات فى دبي، بسبب ملاحقة شرطتها لأعضاء التنظيم تنفيذاً لأوامر أمريكية. ويتحدث أبوحفص مخاطبا حكومة دبى ومتوعداً ومحذراً بقوله: أنتم تعلمون جيدا أننا مخترقون لأجهزتكم الأمنية والرقابية والمصرفية، ومخترقون لأجهزة أخرى ليس المجال لذكرها هنا، ويهدد أبوحفص بضرب المصالح الاقتصادية والسياحية فى دبى مالم يتم الإفراج عن معتقلى التنظيم بعد 11 سبتمبر 2001 وتكف السلطات هناك عن ملاحقتهم، وتسليمهم للمخابرات الأمريكية. القاعدة لاتعمل فى البر فقط كما يعتقد الكثيرون فكثير من عمليات القاعدة تتم فى البحر أيضا وهو مايكشف عنه تقرير سيف العدل، مسئول مخابرات القاعدة فى القرن الأفريقى، الذى كتبه للشيخ حسن مسئول العمليات فى منطقة عدن والبحر الأحمر والصومال، فيشرح له أهمية شراء لنش كوسيلة للنقل وكيفية التنقل عن طريق رشوة مسئولى خفر السواحل الكينيين بالدولارات والقات، وتتضح بعد ذلك أهمية هذا اللنش فى نقل السلاح للكوادر التى فجرت سفارتى الولايات المتحدة فى نيروبى ودار السلام.
ورغم انتماء بن لادن للسعودية وقربه سابقاً من الأسرة الحاكمة، قبل أن ينشق عليهم رغم مساعدتهم له بالسلاح والأموال والدعم اللوجيستى أثناء حرب روسيا ضد أفغانستان، وتطوع بن لادن مع العرب الأفغان لقتال الروس بدعم من بعض الدول العربية والإسلامية، فإنه يبدو فى رسائله عنيفا وقاسيا مع آل سعود مستخدما عبارات مثل «النظام السعودى الخارج عن الإسلام والمخادع للأمة لإخفاء حقيقته العلمانية عبر إقامة بعض الحدود الشرعية ورعاية الأماكن المقدسة، ومناصرة بعض القضايا الإسلامية».
ويبدو أن السحر انقلب على الساحر فبعد أن قامت الاستخبارات السعودية لزمن بدعم من سمتهم بالمقاتلين العرب مع المقاتلين الأفغان فى الثمانينيات ضد الغزو الروسى، يكشف أبوحذيفة القيادى فى التنظيم والواضح أنه سعودى الجنسية فى رسالته إلى أبى عبدالله «بن لادن» تفاصيل الانقلاب على النظام السعودى، وكثرة استعمال عبارة «المجاهدين أبناء الجزيرة» بمساعدة مشايخ الوهابية، الذين قاموا بتعليم أجيال من الشباب على المنهج الجهادى السلفى، ومطالبة كوادر القاعدة فى الداخل والشباب الوهابى بتفيذ عمليات إرهابية داخل مدن السعودية وضرب المصالح الأمريكية، ورصد تحركات الوفود والبعثات الدبلوماسية الغربية وتهيئة المناخ الداخلى لعمل انقلاب على نظام آل سعود، من خلال مايسمى بجيش تحرير المقدسات المكون من عناصر سعودية وآسيوية تعيش داخل المملكة وتعمل فيها منذ فترة وتم تجنيدها عبر الإنترنت من أجل تنفيذ عمليات اغتيالات واسعة ضد مثقفين سعوديين تصفهم القاعدة بالعلمانية والعمالة للغرب.
اغتيال بن لادن:
267 محاولة لاغتيال بن لادن، هكذا يكشف سيف العدل، مسئول مخابرات القاعدة فى تورا بورا والذى يقدم تقريرا يحذر فيه بن لادن من محاولات أمريكية فاشلة لتجنيد الطباخين الأفغان فى غداء الجمعة الذى يقيمه بن لادن عقب صلاة الجمعة مع كبار مساعديه وفيه تتم الإشارة علنا إلى أن هذا أكل الشيخ. بالإضافة إلى تحذيره من شرب الماء بيد الحارس الذى يحضره من إحدى الأبيار العامة.
وفى رسالة مسئول مخابرات القاعدة فى الخارج سيف العدل، إلى أبى حذيفة مسئول شركة السحاب المزعومة والمسئولة عن بث شرائط القاعدة وإنشاء مواقع الإنترنت والدعم الإعلامى، نراه يقول له:
لقد قرأت ومعى الأخوة العرب فى قندهار ما نشر بصحيفة الحياة اللندنية من بيانات قاعدة الجهاد اغتيال الأخ أبوطارق مسئول أرتيريا وزوجته الأخت زبيدة، وما أثير حولهما من شائعات وتخرصات عن مسئوليته بعض الأخوة عن هذا الأمر، ولكن الحقيقة أننا بعيدون تماما عن هذا العبث الذى يتحمل نظام أفورقى «رئيس أريتريا» مسؤليته وليس الأخوة مع ما بينهما من خلاف. ويعود سيف العدل فى رسالة أخرى ليذكر أبا حذيفة بضرورة تسليم شريط أبى عبدالله «بن لادن» إلى إدارة قناة الجزيرة فى المكان المتفق عليه، وحثهم على سرعة بثه لما فيه من فوائد فى توصيل رسائل الأخوة «يقصد القيادات» إلى الكوادر فى الخارج، خاصة فى شبه الجزيرة العربية وبلدان الخليج، بالإضافة إلى إحداث انشقاقات وبلبلة داخل الجماعة الإسلامية فى مصر، وضرب مبادرة وقف العنف وحث الشباب على الانقلاب على قياداتها التاريخية، وهو ما أكدته رسالة سيف العدل إلى أبى حذيفة ووضرورة طرح سيرة الدكتور أيمن الظواهرى، الرجل الثانى فى القاعدة بعهد بن لادن، وجهاده قبل بث شرائطه على الجزيرة.
وتكشف رسالة عضو التنظيم من تونس عبدالرؤوف بن الحبيب الجدى إلى بن لادن عبر موقع النداء وهو مهندس معمارى مغترب فى كندا، عن نشأته على كتب الإخوان المسلمين التربوية، ثم تعرفه على فكر القاعدة عن طريق مواقع الإنترنت المحسوبة على التنظيم والشرائط الجهادية والكتب المهربة من لندن، ونرى رد مسئول الجهاز الإعلامى للقاعدة، أبو أمامة المسفر، عليه قائلاً: «إن تنظيم قاعدة الجهاد استفاد من خبرات الإخوة قبلهم مثل حركة حماس والتى استفادت القاعدة من تجربتها فى تصوير المقاتلين بالفيديو قبل قيامهم بالعمليات المختلفة وتفجير أنفسهم».
لمعلوماتك...
◄البنتاجون هو اسم مبنى مقر وزارة الدفاع الأمريكية ويقع فى مدينة أرلنجتون فى ولاية فيرجينيا، وباعتباره رمزا للجيش الأمريكى فإن مصطلح البنتاجون يستعمل عادة للإشارة لوزارة الدفاع نفسها عوضا عن المبنى ذاته، ويضم مبنى البنتاجون مكاتب لإدارات الأسلحة الثلاث، الجيش والبحرية والقوات الجوية، بالإضافة لمكتب وزير الدفاع



