هل يتسبب 500 ألف خنزير فى إشعال فتنة طائفية فى القاهرة الكبرى؟

الخنازير.. الاختبار الجديد للوحدة الوطنية!

الخميس، 07 مايو 2009 09:50 م
الخنازير.. الاختبار الجديد للوحدة الوطنية! اشتباكات الأمن مع أهالى منشية ناصر.. أول بشاير فتنة الخنازير -تصوير : ماهر اسكندر
كتب محمد الدسوقى رشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄أصحاب المزارع هددوا باللجوء إلى أوباما.. وأقباط المهجر أصدروا بيانات تؤكد أن إعدام الخنازير اضطهاد لأقباط مصر وانتقام من المسلمين الذين يحرمون أكل الخنزير

للعلاقة بين المسلمين والمسيحيين دهاليز، داخلها مفقود والخارج منها تائه، وعلى كتفه ألف سؤال وسؤال بلا إجابة، التقارير الرسمية عنها تقول إنها أمتن من الحبل السرى الرابط بين الأم ووليدها، وتقارير أصحاب الغرض والمصلحة، تؤكد أنه لا توجد علاقة أصلاً بل معركة لا تنتهى، أما المشاهدات اليومية فتؤكد على أنها علاقة أقل ما يمكن أن يقال عنها هو «علاقة رذلة» لا رأس لها من قدم، ولا أول لها من آخر، طبيعية أغلب الوقت، بها كثير من الود والمحبة فى بعض الأحيان، مشتعلة ودموية فى أحيان أخرى.

وهل لهذا التقلب سبب واضح؟.
لا إجابة عن السؤال السابق، الجلسات الودية فشلت فى تحديد السبب والدراسات العلمية فى مراكز الداخل والخارج، لم تجد لهذه العلاقة وتقلباتها توصيفا، فكثيرا ما تشتعل الفتنة بسبب فتاة من هنا أحبت ولدا من هناك، أو ولد من هنا عبر عن إعجابه بفتاة من هناك، دون أن يعرف لها اسما أو دينا، وكثيرا ما سالت دماء على الأرض بسبب بنت وظيفتها الرسمية فتاة ليل، أى تنام على سرير من يدفع لها أكثر، لمجرد أن الفتاة كانت مسلمة والسرير كان لمسيحى أو العكس، رغم أن الفتاة وصاحب السرير يرتكبان أكبر إثم نصت عليه الديانتان.. الزنا.

والآن تطل الفتنة برأسها، ولكن هذه المرة ليس بسبب بنت، ولا سور كنيسة، ولا قطعة أرض، هذه المرة بسبب الخنزير, أو ما اعتاد المصريون تسميته بالحلوف، فقرار الحكومة بمطاردة أصحاب مزارع الخنازير وإعدام كل قطعان الخنازير فى مصر، خوفا على مصير بلد بأكمله من وحش جديد اسمه أنفلوانزا الخنازير، لم يمر فى طريقه القانونى أو الرسمى فقط، بل صاحبه العديد من التأويلات والهمسات والتصريحات والبيانات الساخنة، التى تؤكد أن الخنزير قد يكون سببا لفتنة طائفية أشد قسوة، وإن لم تشتعل الآن فإنها ستظل موقدة فى الصدور لحين أن يأتى وقتها. بوادر فتنة الخنازير كانت مبكرة، ولم تنتظر سوى تلك الساعات التى تحولت فيها توصيات مجلس الشعب بإعدام كل الخنازير إلى قرار رسمى واجب النفاذ، بدأت الحكومة فى تنفيذه فى 30 أبريل الماضى، ومن وقتها بدأت التصريحات والشكاوى والتظاهرات التى تسوق القضية كلها فى اتجاه واحد.. هو أن الحكومة المصرية وجدت فى مرض أنفلوانزا الخنازير فرصة جوهرية لممارسة اضطهادها للأقباط على اعتبار أن الخنزير طعام محرم فى الإسلام، وأن أصحاب المزارع العاملة فى تربية الخنازير من الأقباط، الفكرة السابقة بدأت صغيرة، وظلت تتضخم مع ارتفاع موجة المواجهة بين الحكومة وأصحاب مزارع الخنازير حتى وصل الأمر إلى اتهامات دولية لمصر، باضطهاد الأقباط عن طريق ذبح خنازيرهم.

حالة الشماتة والفرح التى ظهرت فى عيون بعض المتعصبين من المسلمين، ربما كانت هى الشرارة الأخطر فى نار الفتنة القادمة، فعقب الإعلان عن مرض انفلوانزا الخنازير، تحولت المنتديات ساحة للمعارك بين كل ما هو مسلم وكل ما هو قبطى.. إلى ساحة لمعركة رفع فيها المسلمون الشامتون شعار (ماقلنا لكم من الأول أكل الخنزير حرام.. دلوقت بقى مميت كمان)، غير أن بداية الأزمة الحقيقية كانت داخل مجلس الشعب، حينما علقت النائبة القبطية جورجيت قللينى على قرار المجلس، بإعدام الخنازير قائلة: (العمال الأقباط فى تلك المزارع هييجوا يكلوكم بعد ماتقطعوا لقمة عيشهم)، كلام قللينى وإن كان يحمل من العنف والتهديد ما يحمله، إلا أنه لم يتعد كونه تحذيرا منطقيا من فئة شعبية، تستعد الحكومة لقطع عيشها، غير أن النائب رجب هلال حميدة سقط فى فخ الطائفية، واعتبر كلام قللينى تهديدًا من نائبة قبطية، وليس من نائبة مصرية، فجاء رده عنيفا حينما صرخ قائلاً: (لو جم علشان ياكلونا إحنا هناكلهم). سوء الفهم الذى حدث بين قللينى وحميدة، كان بداية شرارة فتنة الخنازير، حينما هدد بعض أصحاب مزارع الخنازير باللجوء إلى المجتمع الدولى، وإرسال شكوى للرئيس الأمريكى باراك أوباما، فجاء رد فعل نائب الإخوان صبحى صالح، ليوحى بأن المعركة تحولت من تحرك حكومى لإعدام خنازير قد تسبب كارثة، أو من مجرد مجموعة من الأهالى يخشون على مصدر رزقهم إلى معركة طائفية، المسيحى فيها يتربص بالمسلم، والمسلم فيها مقتنع بأن المسيحى يهدف إلى مصلحته على حساب ضرره، وقال صالح رداً على تهديدات أصحاب الخنازير باللجوء للخارج: (لا ينبغى على النظام المصرى أن ترتعد فرائصه أمام أى تلويح باللجوء للقوى العالمية من قبل أى فصيل أو فئة، تهدد باللجوء للمحاكم الدولية لمقاضاة النظام).

مظاهرات أصحاب مزارع الخنازير فى الخصوص، وتلميحات تجار الدواجن المسلمين بأن الحكومة تخشى من الأقباط، وتجاملهم بصرف تعويضات كبيرة، على عكس ماحدث معهم أثناء انتشار أنفلوانزا الطيور، ورد أصحاب مزارع الخنازير على ذلك بأن الحكومة لم تتجه إلى إعدام كافة الدواجن، لأن أصحابها من المسلمين، بينما قررت بسرعة إعدام الخنازير لأن أصحابها مسيحيون، أكدت عمق الأزمة وهشاشة حبل الوحدة الوطنية الذى نتعلق به، وكنا نتخيل أنه أقوى من الدسائس والأيدى الخفية، فوجدناه أضعف من خنزير.

الوحدة الوطنية التى نغنى لها، ونأتى بشيخ الأزهر وهو فى كامل هندامه ليحتضن البابا، وهو فى كامل ملابسه الكنسية، ونصورهما ضاحكين لنكتب تحت الصورة أحلى كلام، ونقدمها كدليل على نقاء مصر وطهارتها من الاضطهاد الدينى فى المحافل الدولية، هذا الائتلاف الوطنى فى خطر داهم بسبب الخنازير، وإن كنت تتخيل أن الأمر مجرد مناوشات عادية لتحقيق مكاسب على قفا الوتر الدينى، فتعالى معى لنقرأ البيانات الصادرة عن جمعية أقباط الولايات المتحدة، وجمعية أقباط مصر، لتدرك أن القضية بدأت تنتقل من خانة الهزار إلى خانة الكارثة، ففى 29 أبريل، أصدرت جمعية أقباط الولايات المتحدة بيانها حول قرار الحكومة بإعدام الخنازير، وأشار البيان إلى أن قرار إعدام الخنازير لا علاقة له بالمصلحة العامة، أو أى من الأسباب التى تروج لها الحكومة، بل هو مجرد قرار اتخذته الحكومة تحت ضغوط المسلمين الذين اعتقدوا أن قرار إعدام الخنازير هو تطبيق للشريعة الإسلامية، وأن ماحدث هو انتقام إلهى من المسيحيين، وطالب البيان الكنيسة بضرورة الخروج عن صمتها والدفاع عن مصالح رعاياها، ومطالبة الدولة بتعويض أولى قدره 2 مليار جنيه ونصف (لاحظ أن الحكومة قدرت التعويضات بـ(500 مليون فقط) فى حالة إصرارها على قرار الإعدام، وأن تضع ملف الخنازير كاملا فى يد الكنيسة، حتى لا يتخذه المسلمون سببا لاضطهاد الأقباط والإساءة إليهم.

بيان منظمة أقباط الولايات المتحدة، جاء تحريضيا ومؤكدًا أن قرار إعدام الخنازير طائفى، ولكنه كان أرحم وأكثر احترامًا من بيان موريس صادق، الذى أكد بيقين كامل أن الدولة قصدت من قرار إعدام الخنازير إعدام 2 مليون قبطى، يملكون الخنازير، ويعملون فى أنشطة متعلقة بها، وإفقارهم حتى يخضعوا للمسلمين، ويكفوا عن المطالبة بحقوقهم، وذهب إلى أبعد من ذلك حينما أكد أن مصر هى الدولة الوحيدة التى اتخذت قرار الإعدام، لأن الفرصة قد حانت للمسلمين للانتقام من الخنزير الذى كشف زيف وكذب نبيهم، بعد أن أفشل خنزير محاولته المضللة فى عمل معجزة وهمية لاستخراج المياه من قلب الصحراء، وبعد أن حفر اتباع الرسول بئرا فى الصحراء، وبطنوه بجلد الغزلان حتى لا يتسرب الماء الذى وضعوه فى البئر، وغطوا البئر، جاء رسول الإسلام ليضرب عصاه فى الصحراء فتنبثق المياه من البئر أمام الناس، وتكون معجزة له، ولكن عندما ضرب عصاه وجد البئر خاوية لأن خنزيرا اكتشفها ومزق جلد الغزلان وتسربت المياه فى الصحراء، وانكشف زيف المعجزة المضللة فحرم لحم الخنزير، وسار خلفه المسلمون الغلابة حتى اليوم. موريس قال إن أقباط المهجر لن يصمتوا على المذبحة التى يتعرض لها أقباط مصر، وإنهم سيلجأون إلى المنظمات الدولية لإحراج مصر، وهو ما حدث سريعا، حينما خرجت بريجيت باردو وعدد من المسئولين فى منظمة الصحة، ليؤكدوا خطأ ما يحدث فى مصر، مشيرين إلى احتمالية تعرض مصر لعقوبة دولية بسبب هذه المجزرة، وهو مارد عليه وزير الصحة برفض التدخل فيا يحدث على أرض مصر.

بيانات أقباط المهجر كانت متوقعة، ولكنها جاءت مبكرة جدًا عن موعدها وساخنة أكثر من اللازم، وكأنهم كانوا فى انتظار أى حدث لإشعال الموقف أو فى انتظار أى حدث يستخدمونه كورقة مساومة، أثناء الزيارة المنتظرة للرئيس مبارك إلى الولايات المتحدة، فهل ستكون الخنازير عائقا أمام زيارة الرئيس، أم أن النظام المصرى سيمارس هوايته فى الرد بقوة على أقباط المهجر الذين بدأ نشاطهم فى أزمة الخنازير، يظهر جليا فى تقارير المنظمات الدولية، والصحف الكبرى فى الخارج، وهى الأخبار التى أكدت عليها الزيارة السريعة التى قام بها حاتم الجبلى للبابا شنودة، واعتبرها البعض محاولة من الدولة لتسوية الملف واحتواء غضب الأقباط قبل أن تحدث أكبر فتنة قد يشهدها البلد فى تاريخه، غير أن الزيارة وإن كانت قد خلصت إلى تصريحات، نفى فيها البابا وجود أى شبهة طائفية، بل وأكد أن المصلحة العامة أهم من الخنازير التى كان قد طلب من المسيحيين عدم أكلها من قبل، لم تفلح فى القضاء على حالة التوتر القائمة والتى ترشح اندلاع معركة طائفية فى أى وقت بسبب أى احتجاج عادى بين رجال الأمن، الباحثين عن مزارع للخنازير فى كل مكان، وأصحاب هذه المزارع، أو بين الأمن ومهربى الخنازير الذين بدأوا فى البحث عن أماكن لحظائرهم فى الصحراء، وهذا الاحتجاج بين الأمن والأقباط وارد، ولأقل سبب، خاصة وأن أقباط مصر لديهم يقين كامل بأن أجهزة الأمن تعمل ضدهم، طبقا لما لم يصرحوا به عقب كل أزمة طائفية، كما أن أى احتجاج من مسلم خائف من مرض أنفلوانزا الخنازير ضد صاحب مزرعة قريبة منه، قد يتطور ويتحول إلى معركة طائفية بدل كونه خلافا شخصيا.

كل هذه المعطيات والتوترات تشير إلى أن هناك أزمة قائمة ولابد من حل فورى لها، إما بصرف التعويضات اللازمة أو اقتناع أصحاب المزارع بأن ما يحدث هو بالفعل لمصلحة الوطن، وليس شيئا آخر. عموماً الفترة القادمة هى فترة اختبار حقيقية للوحدة الوطنية، فهل ستصمد أم ستكون رءوس 500 ألف حلوف، سببا فى اشتعال فتنة طائفية من النوع غير القابل للإطفاء؟.

لمعلوماتك...
1986 قضت أنفلونزا الخنازير على مليون شخص فى هونج كونج
110 كيلوات يصل إليها وزن الخنزير المصرى و80 كيلو أقل وزن له






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة