هل يتعمد الأدباء الإساءة إلى المقدس؟.. قد يبدو للوهلة الأولى هذا السؤال غير وارد على الأذهان، إلا أن الشائع لدى الناس، أن أى أديب ضعيف يريد أن ينتشر إبداعه، لابد أن يكتب عن الذات الإلهية ليشتهر، ويكتب عنه تقرير يتهمه بالكفر..من هنا كان لابد أن نسأل أهل «الكار» على طريقة «فاسألوا أهل الذكر».. ما الذى يدفع الأديب إلى الكتابة عن الذات الأدبية، وماذا يستفيد من ذلك وما هدفه؟
الروائى محمد البساطى، يؤكد أنه لا يوجد أديب فى مصر أساء إلى الذات الإلهية، وأن ما يسمونه بالإساءة هو قراءة مغرضة ورديئة للأعمال الأدبية بقصد التصيد، وتظهر فقط فى العصور المظلمة، حيث يضع النظام هذه القائمة من الاتهامات لحصار المثقفين، ويشير البساطى إلى أن المشكلة الكبيرة فى الأمر هى القوانين التى تسهل هذه المحاكمات، والتى تعود على النظام المستفيد بالنفع، حيث «يهد حيل المثقفين الذين يكشفون عوراته، ويفضحون فساده، ويجعلهم دائما مشغولين بالدفاع عن أنفسهم بدلا من مهاجمته».
أما الروائى يوسف القعيد، فيقول إن هذه الحملات جزء من مناخ عام موجود وخطير، يعكس غياب دور الدولة ويعطى رجال الدين الحق فى تسريب آرائهم فى الإبداع الأدبى والكتابة، ووصفه بالكفر، وهو ما لم يكن موجودا من قبل، وهو ما يستوجب وجود تشريع يحمى هذا الدور، ويعود القعيد بذاكرته إلى رواية نجيب محفوظ «أولاد حارتنا» التى كانت وراء اتهامه بالتعدى على الذات الإلهية، ويقول: عبد الناصر أمر بنشرها كاملة فى الأهرام بشكل يومى، ونشرها نجيب خارج مصر برغبته، بالإضافة إلى أنه لم تتصاعد حدة الاتهام بالكفر لتصل المحاكم، ويرى الروائى منتصر القفاش، أن فن الرواية يتسع ليضمن الكثير من العوالم والجوانب، منها الإنسانى والدينى والجنسى، والتاريخى والاجتماعى، واختزال الرواية فى جانبها الدينى فقط هو ظلم للروائى وللرواية على حد سواء، وحينما يختار الروائى أن يسلط الضوء على جانب فقط، كالجانب الدينى فهو يعرض عمله الفنى للظلم، لأن الرواية هى فن الحياة بمعناها الأكمل والأشمل، ويرى القفاش أن الظروف الاجتماعية التى تمر بها مصر جعلت المصريين ينظرون بعين الريبة والشك إلى الإبداع والمبدعين، وأغلب المشاكل التى تثار حول الأعمال الإبداعية لا تكون بسببها مباشرة، وإنما بسبب تأويل أحد الأشخاص لها، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، لأن تأويل الرواية شىء والرواية شىء آخر.
أما عن الشعر فيقول الشاعر والمترجم رفعت سلام: لا توجد إساءة فى الشعر للمقدس، لأن الشاعر يريد فى الأساس الأول اكتشاف العالم والوجود، بل ما بعد الوجود، ومن هنا قد يتفق فى تصوره مع الكتب السماوية وقد يختلف، لأن الكتب السماوية ليس لها فى الأصل تفسير واحد، ويشير الشاعر أحمد سويلم إلى أن الشعر فن له خصوصية شديدة، لأنه يعتمد على الرمز والمجاز، ومن ثم فهو عندما يتعرض لأى مقدس دينى فهو يتناوله دون أن يقصد معناه الحقيقى الذى رسخ فى قلوب من يعتقد فى هذا المقدس، كما يتحدث «سويلم» عن علاقة الشاعر بالله قائلا، إنها علاقة صوفية يعتمد الشاعر فيها على حسه الداخلى المشحون بالعشق، ولا ينبغى أن نحاسبه على هذه العلاقة الخاصة.
الكاتب الدكتور رفعت سيد أحمد فى تحليله لأسباب الأزمة، انطلق من غياب المشروع الجامع لمصر، مؤكدا أن هذه الحملات ليست جديدة، وترجع لأسباب منها سطوة الفكر الوهابى، على مناحى الحياة الثقافية، فالناس تهرب من التردى الاقتصادى إلى الدين بمعناه السلبى فمن باب أولى أن يتروى المتحدثون باسم الله ولا يتركون أنفسهم أسرى للغزو السعودى الوهابى.
أما الدكتورة منى الصبان الأستاذ المساعد بمعهد السينما، فاعتبرت أن مايحدث هو انعكاس للانهيار الحادث للمجتمع المصرى، فالتهمة جاهزة طوال الوقت وهو ما يعود بنا إلى عصور الظلام والجهل بخطى سريعة.
وتتحدث الدكتورة منى عن الدور الخطير الذى يلعبه الإعلام، فى انتشار هذه الموجات من التطرف الفكرى، من خلال إعطاء مساحات لمناقشتها مع أصحاب وجهة نظر واحدة دون السماح للطرف الآخر، أن يتحدث أو يدافع عن نفسه.
لمعلوماتك...
◄1980 توفى جان بول سارتر أشهر فلاسفة الوجودية
المبدعون يقولون: الأدب لا يتعمد الإساءة إلى المقدس والقراءات الخاطئة تضر بالجميع
الجهل والاستبداد وضعف المبدعين والتطرف.. أدوات «المكفراتية» للوصاية على البسطاء وإرهاب المجتمع
الخميس، 07 مايو 2009 09:41 م