د. خميس الهلباوى

إسلام مصر والتمييز الدينى

الخميس، 07 مايو 2009 06:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا شك أن الحملة الضارية الحالية على التمييز الدينى بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، والواردة من بعض إخواننا المصريين بالولايات المتحدة الأمريكية، والتى استغلها مع الأسف حزب التجمع، قد أخذت مداها، بطريقة تحتاج إلى التفكير الهادئ المتزن للتفريق بين محاولات إنهاء التمييز الدينى وضرورة تحقيق المواطنة والحرية والمساواة والعدالة بين جميع المصريين، وبين تفريغ الدستور المصرى من مضمونه وتحويل الدفة إلى اضطهاد دينى لمسلمى مصر بمعرفة إخواننا أقباط مصر.

فبالرغم من أننى أؤيد بكل جوارحى موضوع المواطنة والحرية والمساواة والعدالة فى الحقوق وتحقيق الديمقراطية الكاملة، فإننى أمقت استغلال البعض، الذى يبالغ فى المطالبة بتلك الحقوق، بحيث تتعدى طلباته وشطارته إلى حدود إلغاء الدين الإسلامى كلية من مصر، خاصة وأن مصر دولة إسلامية منذ أكثر من ألف سنة بكثير، ولم تظهر فيها هذه الظاهرة السيئة إلا فى الوقت الحالى، ولكن لأسباب غير طبيعية وبعد أن تولى الرئيس الأمريكى السابق بوش الحرب على المسلمين، ارتفعت أصوات بعض إخواننا المسيحيين يؤيدهم بعض المغرضين من أنصار الاستعمار الغربى الذين لا يستطيعون أن يعيشوا إلا فى ظل التفرقة بين الشعوب تطبيقاً للمبدأ الاستعمارى القديم الجديد "فرق تسد".

قامت هذه الجماعات ومعها بعض الأحزاب المغرضة، وتقوم بالعمل جاهدة بجميع قواها ووسائلها على إثارة الفتنة والفرقة بين المصريين، مسلمين ومسيحيين، ومما لا شك فيه أن الدولة المصرية تستجيب للمطالب المعقولة التى تراها الدولة مناسبة ومحايدة بين الطرفين، بل وأحياناً تتدخل الدولة لصالح إخواننا المسيحيين فى بعض المواقف الهامة.

ولكن ما يزعجنا هنا وما يثير الفضول، هو ما أثاره حزب التجمع فى البحث الغريب والدعاية المغرضة "غير المسئولة"، بطلب إلغاء حصة الدين الإسلامى من المدارس فى مصر!، كما جاء فى فعاليات مؤتمر مناهضة التمييز الدينى الذى عقد مؤخراً فى مقر حزب التجمع المصرى. ادعاء بما يعتبرونه "كذباً" أن حصص الدين فى المراحل الابتدائية والإعدادية مسئولة عن هذا التمييز الدينى، وهو قول مردود عليه، وهو ما دفعنى إلى كتابة هذا المقال.

فحزب التجمع قادم من عباءة الحزب الشيوعى الذى ألغى جميع الأديان فيما كان يسمى بالاتحاد السوفيتى سابقاً، "ومن المعروف أن الشيوعية كنظام سياسى انتهت من العالم منذ سقوط الاتحاد السوفيتى"، بالإضافة إلى أن هذا الحزب فى مصر ليس له أجندة نافعة بالنسبة له ولا يجد له عملاً إلا إثارة المشاكل للشعب المصرى، وبالرغم من أننى لا أستطيع تأييد معظم ممارسات الحزب الحاكم بل أمقت الكثير من تصرفات بعض أعضائه البارزين خاصة رجال الأعمال المستغلين والمتسلقين، ولكن، عدم الرضا عن أداء هذا الحزب لا يجب أن يدفعنا إلى إثارة الفتنة الطائفية بأى طريقة فمصر بلدنا جميعاً، والضرر يقع على الجميع، ومن يحاول إثارة هذه الفتنة فى مصر بالتأكيد عدو للشعب المصرى حتى ولو كان أى حزب بأى مسمى، حتى ولو كان على سبيل اللهو، إلا أننى أرى أن إثارة مثل هذا الموضوع، وهو موضوع إلغاء حصص الدين من المدارس، إنما هو عمل جانبه الوطنية والتوفيق والتعقل، لو كان هذا حزبا مصرياً خالصاً بحق.

والدليل على أن الأمر لايتعدى إثارة الفتنة، هو أن حصة الدين فى المدارس المصرية لا تقتصر على الدين الإسلامى وحده، فمن المعروف أن الطلبة المسيحيين لا يجبرون على حضور حصة الدين لإخوانهم المسلمين، ولكن فى العديد من المدارس التى بها عدد كبير من الطلبة المسيحيين والذى يستوعب تخصيص حصة للدين المسيحى، لهم الحق فى حضور حصتهم فى الدين الذى ينتمون إليه، وهذا النظام قائم منذ عشرات السنين بل مئات السنين فى مصر، فمصر تؤمن بمبدأ أن الدين لله والوطن للجميع وتطبق هذا المبدأ فعلاً وهو سر استمرار مصر إسلامية منذ أكثر من ألف سنة بكثير.

ومن سماحة هذا الدين والنظام المصرى أن الطالب المسيحى أو المسلم أو من أى دين لا يجبر على حضور حصص دين غير الدين الذى يعتنقه، ولا يمتحن فى نهاية العام فى دين غير دينه، لدرجة أن لى أصدقاء من المسيحيين المصريين يعرفون عن الدين الإسلامى الكثير، ومنهم من يحفظ آيات من القرآن الكريم ومع ذلك لم يعلنوا عن تخليهم عن دياناتهم، وبكل سماحة يعيشون مسيحيين وأصدقاء لإخوانهم المسلمين.

فليعلم كل من تسول له نفسه التمادى فى محاولات إثارة الفتنة الطائفية أن أواصر العلاقات طيبة بين المصريين جميعاً مسيحيين ومسلمين، ودمهم واحد، ولا ينقصهم إلا توقف كل مفرق وكل خبيث سواء كان حزب التجمع أو حزب التفرق، أو أى حزب آخر.

وعزائى أن ماحدث ما هو إلا دعاية رخيصة لاكتساب تأييد بعض ذوى النفوس الضعيفة الذين لا يعرفون طبيعة الدين الإسلامى، وطبيعة نظام التعليم الدينى فى مصر، حيث الأديان كلها فى التعليم سواسية لأهل الدين، ولا يوجد اعتداء على دين لصالح دين آخر وخاصة فى المدارس ومناهجها.

وأخيرا أقول لمن لا يجدون أجندات لأحزابهم إلا التملق للسلطة فى الخفاء وإثارة الشعب والسير فى الماء العكر، أن يبحثوا عن أسباب أخرى غير هذه النقطة فى الدين، و"العبوا غيرها"..

وكفى خلق المشاكل للشعب المصرى، وليحذر كل صاحب مدونة يريد أن يجد ما يكتبه، أو له طموح لمركز هام، ألا يقفز على التضامن والتكاتف لهذا الشعب.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة