جاء رفض مصر التوقيع على الاتفاقية الإطارية للتعاون بين دول حوض النيل، ليلقى بحجر كبير فى بحيرة العلاقات المصرية الأفريقية، وليوقظ الشارع المصرى على حقيقة انسحاب الدور المصرى فى أفريقيا، وتحديدا لدى دول حوض النيل، التى تبنت موقفا اعتبره بعض الخبراء متوقعا، بينما اعتبره البعض مفاجئا لهم.
لكن اتفق الجميع أن القانون الدولى والبنك الدولى والاتفاقيات المبرمة تضمن حصة مصر وحقوقها التاريخية فى استخدامات مياه النيل، ويبدو أن مزيدا من التعاون والمشروعات المشتركة والمعونات، هى السبيل الوحيد للتعامل مع حالة العند الأفريقى التى انتابت دول الحوض. ورغم تأكيد وزير الرى محمد نصر الدين علام على وجود ضغوط تمارسها إسرائيل فى دول المنبع، إلا أن الخبراء وصفوا ذلك بالمغالطة السياسية. والسؤال الآن: هل ما يحدث هو الشرارة الأولى لحرب المياه أم مجرد زوبعة فى فنجان سوف تنتهى بالمعونات وبرامج التنمية المشتركة؟
الدكتور محمود الشاذلى، أمين سر لجنة الزراعة والرى بمجلس الشورى، قال إن مياه النيل مسألة أمن قومى، و"إننا فى حاجة لكل قطرة مياه وحصة مصر من غير المقبول المساس بها، ورفضت التوقيع على الاتفاقية الإطارية لأن ما تنص عليه لا يتماشى مع ما تريده القيادة السياسية، لذلك تم إرجاء التوقيع، لكن المؤكد أن موقف الدول الأفريقية كان مفاجئا، وقد يكون ذلك نتيجة لسوء إدارة الملف فى السنوات السابقة".
وحول التغلغل الإسرائيلى فى منابع النيل، وتأثيره على موقف هذه الدول، قال، "إن مثل هذا الكلام يعد مغالطة سياسية". وعن دور البرلمان ومجلس الشورى ولجنة الرى قال الشاذلى "لا أستطيع القول إن المجلس سوف يتحرك فى هذا الملف، من منطلق أن بعض القضايا والملفات لا تحتاج إلى التهييج".
من جانبه أكد د.صلاح زرد أستاذ العلاقات المائية بالمركز القومى للبحوث، على ضرورة عدم المساس بحصة مصر وأى مشروعات من شأنها التأثير على الحصة لابد أن تطلع مصر عليها، والاتفاقيات السابقة التى وقعتها مصر مع هذه الدول تؤمن هذه الحصة، وأى تمويل للسدود أو أى مشروعات لابد من موافقة دول المصب وهى مصر والسودان، حسب اشتراطات البنك الدولى، والبنود التى طالبت مصر بتعديلها طبيعية ومنطقية وقانونية، وستضطر دول الحوض لقبولها لأنها بموجب اتفاقيات دولية.
وعن أوراق الضغط المصرية فى هذه القضية إلى جانب مشروعية مطالبها، قال "لكى يعقد البنك الدولى اتفاقية مع إحدى دول الحوض، لابد من موافقة مصر، وهذا يمثل ورقة ضغط مهمة". وعلى عكس ما قاله رئيس لجنة الرى، قال زرد "إن مصر لم تخطئ فى إدارة ملف مياه النيل، ومنذ أيام الدكتور محمود أبو زيد وزير الرى السابق، عقدت مصر العديد من البروتوكولات الثنائية مع دول الحوض".
وقال خبير مصادر المياه الدكتور أحمد فوزى دياب، "إن هذه المشكلة بين مصر ودول الحوض أمر متوقع"، وطالب بتغيير سياستنا تجاه هذه الدول بأن يكون التعاون سياسيا وشعبيا، وبالرغم من ذلك فهذا لا ينفى الحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل وفقا للقانون الدولى، و"أن حصة مصر خط أحمر، والاتفاقية لابد أن تكون بالإجماع، كما طالب وزير الرى المصرى أن تكون مصر ضمن دول الأغلبية فى حالة الأخذ بهذا النظام، وأن البنك الدولى تواجده مهم، فهو يلعب دورا محايدا ويضمن حقوق دول المصب فى الاطلاع على أى مشروعات تقام على النهر".
وذكر فوزى أن موافقة دول حوض النيل على البنود التى تطالب بها مصر، مرهونة بتقديم خدمات صحية وزراعية وتعليمية لهذه الدول، مضيفاً أن مصر ارتكبت العديد من الأخطاء فى التعامل مع ملف مياه النيل، وأن البداية كانت بنقل تبعية الملف من وزارة الخارجية إلى وزارة الرى، منوهاً إلى أن الأسوأ قادم، فهناك مشروعات لتغيير مجارى بعض الأنهار القادمة إلى مصر، وإقامة بعض السدود، بالإضافة إلى تخزين المياه فى البحيرات العظمى. أيمن شبانة الأستاذ بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، قال إن نهر النيل لا يعانى من أزمة مياه، وأن المشكلة فى سوء الاستخدام، وتقدر حجم موارد مياه النيل بحوالى 1661 مليار متر مكعب سنويا، وبالتالى فإن دول الحوض تحتاج إلى تقليل الفاقد منها بتطوير قناة جونجلى فى جنوب السودان.
"الصفحة البيضاء" هو المبدأ الذى بدأت الدول الأفريقية الدعوة له، الذى بمقتضاه تدعو إلى عدم الاعتراف بالاتفاقيات التى وقعتها مصر مع الدول التى كانت تحتل دول حوض النيل، وأنهم غير ملتزمين بهذه الاتفاقيات، وبالتالى يجب السعى لعقد اتفاقيات جديدة بشروط تضمن إعادة توزيع الحصص من جديد بين دول الحوض، فى المقابل فإن مصر تتمسك بالاتفاقيات التى وقعتها فى 1929 و1959، والتى تحصل بمقتضاها على حصتها الحالية وهى 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا، ولا شك أن الموقف المصرى الرافض لأى تعديل من شأنه التأثير على حصتها هو الأقوى، لأن هذه الدول لا تستطيع منع المياه عن مصر، خاصة إثيوبيا بحكم الانحدار الشديد فى مصبات المياه، وليس لديها أحواض كبيرة لتخزين المياه، وملخص ما يحدث أنه نوع من الابتزاز لمصر للحصول على مساعدات ومعونات، نظير الحصول على المياه أو على الأقل إثارة القلاقل حولها.
بعد رفض التوقيع على الاتفاقية الإطارية..
مصر تبحث عن الحياة فى منابع نهر النيل
الخميس، 28 مايو 2009 12:03 م
مصر فى مرحلة حرجة بقارة أفريقيا!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة