عندما وصلت إلى محكمة جنايات القاهرة فى باب الخلق حوالى 6.30 صباح يوم السبت 18 أكتوبر العام الماضى لتغطية الجلسة الأولى فى محاكمة قتلة المغنية اللبنانية سوزان تميم.. اكتشفت أنى وصلت متأخرة رغم أن المحكمة لا تفتح أبوابها رسميا قبل الساعة التاسعة.
المئات من قوات مكافحة الشغب كانوا يحيطون بالمحكمة منذ منتصف الليلة الماضية وكانوا يمنعون عشرات إن لم يكن مئات الصحفيين والمصورين - الذين وصلوا منذ الفجر - من الوصول إلى المحكمة.
بعد كثير من التدافع والاشتباك أحيانا بين الصحفيين وقوات مكافحة الشغب والتوسل أحيانا أخرى لقيادات فى البوليس بالسماح لنا لتغطية المحاكمة.. وصلت بقوة الدفع إلى داخل المحكمة حوالى التاسعة والنصف صباحا بعد المرور ببوابات تفتيش إلكترونية وتفتيش ذاتى قبل الوصول إلى قاعة المحكمة التى ستنظر القضية.
كسر كارنيهى الصحفى أثناء التدافع.. وأصبت بكدمات فى مختلف أنحاء جسدى والذى لم يصدق ابنى يوسف - 12 سنة - عندما رآها من آثار تغطية المحاكمة.
كانت هذه مجرد بداية وليس نهاية المعاناة فى هذا اليوم وطوال هذه المحاكمة التى استمرت حتى يوم 18 مارس 2009 ونطق بالحكم فيها بالإحالة لأوراق المتهمين محسن السكرى ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى يوم الخميس 21 مايو 2009 طوال الجلسة الأولى. وبعد توسل للمصورين هذه المرة.. سمحوا لى أن أقف معهم فى موقعهم الاستراتيجى.. والتشبث بقضبان نافذة فى المحكمة والوقوف معظم الوقت على رجل واحدة لساعات اختصارا للمساحة - ومحاولة سماع القاضى ومشاهدة فض الأحراز ومراقبة المتهمين وتدوين ما يحدث داخل الجلسة.
على الرغم من تغطيتى لعشرات المحاكمات على مدى 20 عاما هى عمرى الصحفى.. إلا أننى لم أشهد مثل هذه المحاكمة من قبل.. فى الجلسة الثالثة من القضية وبالتحديد يوم 16 نوفمبر الماضى تغير هذا الوضع بعد أن حظر القاضى - سيادة المستشار - محمدى قنصوة النشر فى هذه القضية بعد أن قام أحد المحامين بتوزيع كتاب من تأليفه بعنوان «براءة هشام من دم سوزان» مما أغضب القاضى غضبا شديدا وقام بحظر النشر ومنع تداول مثل هذه الكتب ومنع حضور المصورين بكاميراتهم أو الصحفيين بتليفوناتهم المحمولة وحظر النشر، على عكس ما فهم من الكثيرين، لم يعن منع الصحفيين من حضور الجلسات بل من نشر ما يدور داخل هذه الجلسات والاقتصار على نشر قرارات القاضى فى آخر كل جلسة.
الذى حدث أنه بعد هذا القرار فقد أكثر من 95 % من الصحفيين اهتمامهم أو حماسهم أو قررت مؤسساتهم عدم جدوى حضورهم.. فلم يعد يحضر أكثر من خمسة أو أقل من عشرة صحفيين كل الجلسات بانتظام وكنت أنا واحدة منهم.
ولقد أدار المستشار محمدى قنصوة الجلسات بمنتهى الحزم والصرامة.. فلقد طرد أحد المحامين مرة لأنه كان يمضغ لبانا وقال له صائحا «المحكمة مثل المسجد فهل تمضغ لبانا فى المسجد».
فى إحدى المرات طرد القاضى ثلاث صحفيات، كنت أنا واحدة منهن، لأنه سمع صوت «ضحكة نسائية» أثناء الجلسة.. لم تصدر من واحدة منا.. بل من محامية تجلس فى الصف الأول فى الناحية التى نجلس فيها والمقابلة للناحية التى فيها القفص المقسوم الذى يوجد فيه المتهمان.. ولم نرجع للجلسة إلا بعد الاستراحة بعد أن توسط لنا ضابط شرطة كان حاضرا الجلسة لأنه مسئول عن تأمينها لم يكن يسمح القاضى لأحد بالانصراف أثناء الجلسة - إلا المحامين - بعد الاستئذان - حتى يتمكنوا من العودة.. ولكن لم يكن ذلك مسموحا للصحفيين.. حيث لم يكن مسموحا لنا أن نخاطب القاضى مطلقا.
خلو القاعة النسبى - بعد قرار حظر النشر.. وساعات طويلة التى كنا نقضيها داخل قاعة السادات حيث كانت تجرى المحاكمة.. أعطى مجالا للرؤية والملاحظة والمراقبة لما يدور.
لم يحضر والد سوزان تميم ولا أخوها الوحيد خليل.. كما لم يحضر الرجلان اللذان مازال يصر كل منهما.. ويتصارع.. لإثبات أنه الزوج الشرعى لها عند وفاتها وهما عادل معتوق الزوج اللبنانى ومحتكرها الفنى ورياض العزاوى الملاكم البريطانى من أصل عراقى الذى تعرفت عليه فى لندن بعد تركها للقاهرة.
كان هشام طلعت مصطفى - 49 - يرتدى ترنج سوت أبيض مائل للون سن الفيل أحيانا - ولقد ارتدى بدلة ماركة لاكوست و Addidas.. كان يجلس معظم الوقت.. يستند على عصا عندما يقف.. يقرأ القرآن الذى يحضره معه فى شنطة جلدية تحتوى أيضا على نظارة للقراءة وكان يصلى كثيرا فى القفص.
وقد كان جادا ومتجهما معظم الجلسات.. يتحدث مع موظفى شركته ويأكل كرواسون ومؤكولات أخرى كانت تحضرها له من فندق فورسيزونز ونايل بلازا أخته سحر التى حضرت كل جلسات القضية ولم تحضر زوجته ووالدة أبنائه الثلاثة أو زوجته الثانية ولا والدته باقى الجلسات ولا أخوته طارق وهانى.
أما محسن السكرى - 40 سنة - فقد كان يبدو هزيلا داخل ملابس السجن، متوترا.. كثير الحركة فى القفص.. يقف معظم الوقت ويدون ما يحدث فى المحكمة ومعه سبحة فى يده لا تفارقه وقد كان والده اللواء المتقاعد منير السكرى يحضر الجلسات بمفرده غالبا والدة محسن متوفاة وهو مُطلق وعنده ابنة صغيرة وأخ أكبر أشرف وهو ضابط فى الجيش.
ولم أر المتهمين يتكلمان ولا مرة ولا ينظر أى منهما للآخر - وكانا يأتيان فى سيارتين مختلفتين من السجن والصفة التى تجمعهما انهما يدخنان بشراهة فى الاستراحات.
كانت الجدية والإنصات والحزم.. هى الجو السائد أثناء المحاكمة ولم يكن يكسره سوى مشاغبات المحامية رضا غنيم من مكتب المحامى طلعت السادات - عن عادل معتوق - وفى إحدى المرات طلبت من القاضى أن يعطى محسن السكرى مطواة - تم إرسالها من قبل شرطة دبى - من نوع BUCK مثل المطواة التى يعتقد أنها استخدمت فى ذبح سوزان تميم حيث إن تحريات شرطة دبى دلت على أن السكرى اشتراها بـكارت ائتمانى الخاص به.. بعد أن حاول القاضى فتحها ولم يتمكن.. ولقد حبسنا أنفاسنا خوفا من غضب القاضى من هذه «القفشة» إلا أنه ابتسم مما كان إيذانا لنا جميعا بالابتسام وكسر حالة التوتر التى تسيطر على الجلسة للحظات، وابتسم الجميع ما عدا محسن السكرى الذى نظر بغضب شديد لرضا. من الأشياء التى لن أنساها - شعورى عندما شاهدنا فى المحكمة الفيديو المرسل من شرطة دبى وفيه تصوير مسرح الجريمة وجثة سوزان مذبوحة وملقاة على الأرض وغارقة فى دمائها يا إلهى.. فى حياتى لم أذهب لأشاهد فيلم «رعب بإرادتى.. وها أنا هنا أشاهد مشهد قتل مروعا وحقيقيا».
ومن المواقف التى لن أنساها أيضا.. عندما قابلت هشام طلعت مصطفى.. برفقة حراسه وهو خارج من دورة المياه، ولقد حاولت تحاشى النظر إليه منعا للإحراج، إلا أن هشام أوقف حراسه وابتسم لى وبادرنى قائلا: «السلام عليكم». لم أصدق أذنى، فطوال الجلسات كان هشام مثل محسن يتحاشيان النظر إلينا ولم يكونا يتحدثان إلا مع أقاربهما وفى حالة هشام مع موظفى شركته.
أعتقد أننى بعد أن أفقت من المفاجأة رددت "وعليكم السلام".
