«هنا المقر الدائم لمفوضية الفرانين المصريين».. هذه العبارة ليست مكتوبة بالفعل، ولكنها تعبر عن الأحداث التى تدور فى مقهى الفرانين فى ميدان باب الشعرية يومياً، بعد أن لم يعد العيش يعطى لخبازه.
فمنذ أكثر من 60 عاما قام الحاج هاشم عبد العال بتأسيس مقهى فى ميدان باب الشعرية للفرانين نظرا لصداقته معهم، فاشتهر المكان منذ نشأته وارتبط بهم.
أغلب الفرانين على المقهى من مناطق نائية فى صعيد مصر وبعض الأرياف البعيدة ولا يوجد لهم أى مأوى، فلجأوا إلى المقهى، وكانوا يضطرون فى بعض الأحيان للمبيت بداخله فهم لا يعرفون سواه، كما أن مكان العمل غير ثابت. وبمرور الوقت تحول المقهى إلى ما يشبه ناديا اجتماعيا لهم، وكان فى البداية للفرانين البلدى فقط ثم انضم إليهم «فرانين الافرنجى» منذ حوالى 10 سنوات تقريبا.
يشهد المقهى اجتماعات متتالية ومتتابعة يومياً قد تمتد لساعات طويلة، لبحث أحوال الفرانين وأمورهم ومناقشة كل ما يخصهم، والحديث عن الأجور الضعيفة والثابتة فى ظل الغلاء المستمر هو الدائم، وتدهور مهنتهم الشاقة خاصة على كبار السن ممن تجاوزوا الخمسين، والتى تحتاج إلى جهد كبير وطاقة عالية، ولا يخفف هذا الجو سوى لعب الكوتشينة والدومينو.
القهوة مصدر رزق أساسى للفرانين حيث يأتى إليها أصحاب المخابز من سيناء ومطروح ومن كل مكان فى مصر عند حاجتهم الى عمال أو صنايعية، ويقوم شيخ الفرانين المسئول عنهم، والمهتم بشئونهم بتوزيع الفرانين على أصحاب المخابز حسب العرض والطلب وقيمة الأجر، فى اتفاق مسبق بينهم سواء العمل باليومية «الأجرة» أو الإنتاج بالإضافة الى الإكرامية والتى تقدر حسب طبيعة صاحب العمل.
الفرانين غير مؤمن عليهم ومن حق صاحب المخبز فصل الفران بعد التأمين عليه بثلاثة شهور مما يجعلهم تحت وطأة التهديد دائما وأهم مطالبهم هو إنشاء نقابة رسمية لتحافظ على حقوقهم وتحفظ كيانهم ولتوفير المعاشات والتأمنيات فى أوقات الكوارث وغيرها.
يقول أسامة رجب 46 سنة صاحب القهوة: بنى جدى هاشم عبد العال القهوة سنة 1949 وكانت عبارة عن مقهى خشبى، ونظرا لشدة ارتباطه بالفرانين أصدقائه الذين كانوا يترددون عليه يوميا فاشتهر المكان باسمهم، وكان لهم كبير يسمى بشيخ الفرانين وما زال هذا المنصب موجودا حتى الآن وهو المهتم الأول بشئونهم فى كل الأحوال ويقوم أيضا بتوزيعهم على العمل فيما يراه مناسبا.
ويضيف أسامة: أنا أحضر يومياً من السادسة صباحا حتى الحادية عشرة ليلا، وكل الفرانين بمثابة إخوة، والعلاقة أصبحت أبدية لارتباطهم الكامل بالقهوة، وعن المشاريب فإنى ألتمس لهم العذر دائما لأننى أقدر ظروفهم تماماً، واضطر إلى تأجيل الحساب لحين ميسرة فى أغلب الأحوال، إضافة إلى أننى أقدم فى أيام شهر رمضان الكريم وجبات إفطار وسحور جماعى لأن أغلبهم أغراب ومن أماكن بعيدة ولا مأوى لهم سوى القهوة.
مصطفى أنور السيد 59 سنة شيخ الفرانين يقول: أعمل «فران بلدى» منذ 45 عاما والمهنة الآن أصبحت فى حال يرثى لها، فزمان كنا مطلوبين وكان أصحاب المخابز يلجأون إلينا حتى من سيناء ومطروح للبحث عنا، والآن قد اختلف الوضع تماما لأن الخبازين أصبحوا بدون عمل أو أهمية، ويضيف شيخ الفرانين: أنا أحضر يوميا إلى المقهى فى ساعة مبكرة من اليوم لمتابعة العمل حيث أقوم بتوزيع زملائى على المخابز، وأقوم بالاتفاق على الأجر مع صاحب العمل، وفى الغالب يكون الأجر ما بين 30 إلى 50 جنيها، وأهم المشاكل التى تواجه الفرانين هى البطالة، وعدم التأمين عليهم، رغم أنهم معرضون للكوارث والحرائق فى أى وقت، كما أنهم يعملون بعقود مبرمة مع صاحب المخبز ويجبرهم فى أغلب الأحوال على التوقيع على استقالة مسبقة مما يجعلهم مهددين طوال الوقت والحقيقة أن النقابة هى الحل.
مقهاهم بباب الشعرية يعمل منذ 60 سنة
زمان كنا بنقول: إدى العيش لخبازه.. دلوقتى خبازه قاعد على القهوة مش لاقى شغل.. طب وبعدين يا شيخ الفرانين؟ قال: النقابة هى الحل
الخميس، 28 مايو 2009 07:59 م