بما أننا شعب كروى جدًا وأيضًا شعب مقهور للغاية، فإننا مصابون بمرض كراهية الحكام الذين يحكمون فى أى شىء يخصنا سواء حكام الكرة أو الحكام العرب، وهم يشتركون معًا فى الخوف الدائم من قوة أكبر منهم.. حكام الكرة يخافون من الأهلى والزمالك والحكام العرب يخافون من أمريكا وإسرائيل.
وهناك سر فى حساسية الناس من أى شىء مستخلص من كلمة الحكام.. وهناك دعاء شهير يقوله الأجداد والآباء لأبنائهم.. «روح يابنى ربنا يكفيك شر الحاكم والحكيم». وهو إقرار بوجود شر رغم أن القصد بكلمة الحكيم فى ثقافة الأجداد هو الطبيب، ولا نعرف لماذا اعتبروه حكيمًا، هل من باب الحكمة، أو حاكمًا بأمره من باب الحكم على المرض والمريض.
هناك شبه بين حكام الكرة والحكام العرب فى أن قراراتهم لا تُصد ولا تُرد مثل إرسال نجم التنس الإسبانى نادال.. لكنهم يختلفون أحيانًا فى كثير من التفاصيل.. فحكم الكرة يظلم لاعبًا فى قرار لكن هناك فرصة لأن يرد عليه اللاعب بالاعتراض أو الدفع باليد أو الضرب.. أما الحاكم رئيس الدولة فيظلم شعبًا كاملاً ولا يعترض عليه أحد.
ومن سماتنا الكروية أننا نتعايش مع أخطاء حكام الكرة على اعتبار أن الأجانب أيضًا يخطئون وهم رموز العدالة والنزاهة فى الملاعب.. لكن من سماتنا السياسية والفكرية أن نطور التعايش مع الحكام، قادة الدول والأمم، إلى مرحلة تقديس أخطائهم احترامًا لتاريخنا الذى أنزل الحكام والفراعنة منزل «التأليه».
وما دمنا أحيانًا نستعين بالحكام الأجانب عندما نريد عدلاً فى مباراة حساسة.. لماذا ننزعج حين يحكمنا القادة الأجانب ولو من بعيد.. فالبلد الذى تغيب عن ملاعبه العدالة، من المؤكد أنها ستغيب عن كل مؤسساتها فى جميع مجالاتها، لأن العدالة لا تتجزأ والأخلاق واحدة فى اللعب وفى الجد.
ولو أننا استغربنا واندهشنا من قرارت الحكام العكسية فى مباريات المراحل الأخيرة من الدورى وترجمنا هذا الاندهاش بتغيير حالتنا الرياضية فقضينا على التعصب وحاربنا سيطرة الأهلى والزمالك..
لانتقلت ثقافة التغيير تلقائيًا إلى حالتنا السياسية والاجتماعية.. لكن الناس نفسها تنتقى من الظلم ما يُناسبها وما لا يُناسب غيرها.. فالأهلى يحب الظلم إذا أبقاه حاصدًا للبطولات.. والزمالك يبحث عن الظلم الذى يوقف به غريمه الأهلى.. والأندية الأخرى تتمنى ظلمًا يخلصها من الاثنين.
ومصر مع الدول العربية الأخرى هى التى تنفرد فى العالم كله بظاهرة الاستعانة بالحكام الأجانب، حتى إن بعضها يستقدمهم لإدارة المسابقات المحلية بالكامل.. ولو أنها دول طبيعية مستقلة عن التأثير الخارجى ما فعلت ذلك.. ولو أنها «غيورة» على سمعتها لما حرصت على التدخل الأجنبى فى أبسط أمورها، وهذا يختلف طبعًا عن الاستعانة بخبرات أجنبية فى مجالات صناعية أو إنتاجية أو إبداعية، فالاستفادة واجبة فى ذلك..
إلا أنها فى كرة القدم تشبه الإشراف الخارجى على انتخابات عامة مثلاً، لأن فى ذلك إهانة لشعوب غير قادرة على تقديم نفسها فى صورة حضارية، ومازالت تعيش بثقافة القبائل وعصر ما قبل الحريات وحقوق الإنسان.
نحن فى حاجة إلى نظرة جديدة لإصلاح حال التحكيم لأنه أكثر العناصر تأثيرًا فى اللعبة، وإذا لم يبدأ الإصلاح من قضاة الملاعب فلا قيمة لإصلاح عناصر أخرى.. والمثقفون يعرفون أن القضاء درع أى دولة ناهضة، وفساده يؤدى إلى فساد عام.. فكيف لا نستوعب ذلك فى الرياضة، وكيف يفصل الشعب بين مطالب العدالة فى السياسة ومطالب العدالة فى الرياضة وفى الأشياء الأخرى حتى لو كانت بسيطة.. لماذا تنفصم شخصيتنا عند استخدام قيمة أخلاقية واحدة؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة