نضال الناطور

المخرج من مأزق تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة

الخميس، 28 مايو 2009 10:53 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تضاربت ردود الأفعال فى الساحة الفلسطينية حيال الإعلان عن حكومة جديدة فى رام الله، ارتأى البعض بأن هذه الحكومة ستكون مؤقتة إلى أن يحين اتفاق الفرقاء الفلسطينيين على المصالحة الوطنية وتسيير مشروع إعادة إعمار غزة، فى حين عارض الكثيرون من الفلسطينيين وعلى رأسهم حركة حماس تشكيل هذه الحكومة واعتبرها غير شرعية.

لكن المشكلة الأكبر التى أثارت الجدل الأوسع والأكثر خطورة هى معارضة كتلة "فتح" البرلمانية على تشكيل الحكومة والانقسام الفتحاوى حول هذا التشكيل بسب غياب التشاور بين الرئيس عباس وكتلة حركته المنتخبة فى انتخابات حرة نزيهة حول تشكيل الحكومة، وبرنامجها السياسى وفلسفتها التفاوضية المقبلة، خاصة فى ظل المرحلة القادمة وما يصاحبها من تطورات على المستوى العربى والإقليمى والدولى.

إن سمات المرحلة المقبلة توحى بالتطورات على المستوى الدولى نظرا للمتغيرات التى طرأت على سياسات الإدارة الأمريكية نتيجة لخوضها لحربين فى آن واحد (أفغانستان والعراق)، مما ألحق بها هزائم وخسائر اقتصادية ومالية فادحة، ونتيجة لسوء استخدام إدارة الرئيس السابق بوش لاستراتيجية الحرب على الإرهاب، التى أثارت حفيظة دول العالم على السياسات الأمريكية، وأثار نقمة الشعوب، بالإضافة إلى ما لحق بالولايات المتحدة الأمريكية من فشل داخل وعلى الصعيد العالمى.

أما المتغيرات التى طرأت على الوضع العربى فهى الانتقال من سياسة الأحلاف والمحاور (محور الاعتدال ومحور الممانعة) إلى اصطفاف جديد (التضامن العربى) للتصدى إلى القوى الإقليمية الجديدة بالمنطقة، مما يعنى أن سياسة (التقارب الإقليمى) التى التزمت بها الإدارة الأمريكية الجديدة والرئيس أوباما والتى تستند إلى الحوار المباشر مع إيران، والاستفادة من دور تركيا فى المنطقة والإقليم، قد بدأت تتبلور ولسوف تفرض نتائجها تماما على الوضع الفلسطينى الذى أصبح بحاجة إلى نبذ سياسة تهميش المعارضين والعسكريين فى الداخل الفتحاوى، تمهيدا لتحويل حركة فتح من دورها (كقائدة) لمسيرة النضال الوطنى الفلسطينى إلى (شريكة فى تسوية) وهى مسلوبة الإرداة ليس فى مقدورها الضغط عل الشريك الآخر كى يمتثل لما تم التوقيع عليه فى اتفاقيات أوسلو وما بعدها، بسبب هيمنة الإدارة الأمريكية السباقة واستفرادها بالحل وسلام الشرق الأوسط على قاعدة الانحياز الكامل لإسرائيل.

لذلك الفلسطينيون جميعا وعلى رأسهم فتح بحاجة ماسة لاستعادة إرادة فتح والفتحاويين لإحداث التوازن على الأقل فى الساحة الفلسطينية، بعد أن حدث ما حدث من انقلاب حمساوى فى غزة، وصولا إلى العدوان الإسرائيلى الأخير ونتائجه، مع الأخذ بعين الاعتبار نجاح حركة حماس فى اختراق الوضع العربى والإقليمى والدولى وخاصة (الأوروبى). أيضا فإن المرحلة المقبلة تتطلب من فتح إعادة دمج بعض الكوادر والقيادات الفتحاوية الذين تم إهمالهم وتهميشهم لصالح القيادات السلطوية التى لم تسهم بأى دور ضاغط ومؤثر فى مسيرة النضال الوطنى الفلسطينى، وبسبب القرارات التى حكمت (العسكر) بالموت البطىء فى البيوت بعد أن كانوا يتمنون الشهادة فى ساحة المعارك، كما تتطلب أيضا إعادة القراءة للمدارس السياسية التى توالدت منها الفصائل والتنظيمات والحركات الوطنية والقومية واليسارية والإسلامية، حتى يتمكن الفلسطينيون من بلورة خطة اصطفاف شعبى وسياسى وفصائلى تضمن لهم التوازن والحفاظ على المكتسبات التى حققوها منذ الانطلاقة وحتى اليوم، وحتى تتضح رؤيتهم حول المستقبل.

وهنا عرض للمدارس السياسية العاملة فى الساحة الفلسطينية لإمكانية فهمها، ومن ثم معرفة كيفية الدمج الفلسطينى ولم شمل هذه المدارس تحت سقف واحد هو منظمة التحرير الفلسطينية التى حفرت القضية الفلسطينية فى عقول وأذهان الملايين، وأكدت على حق الشعب الفلسطينى فى تحرير أرضه والعودة لها:

المدرسة الأولى هى مدرسة الواقعيين المؤيدين لعملية السلام على أساس أن ليس هناك بدائل أخرى قابلة للتحقيق، وأن الرفض تكلفته عالية جدا، ويدعى أصحاب هذه المدرسة بأن التسوية المطروحة بشكلها الحالى قد لا تكون (عادلة) أو ربما لن تنجح فى تلبية أدنى حدود التطلعات الوطنية الفلسطينية، ولكن الأفضل الدخول فى مفاوضات مع إسرائيل حتى لو كانت نتائج المفاوضات غير مضمونة أو غير مؤكدة من البداية. ويخلص أصحاب هذه المدرسة بأن الإدارة الأمريكية لديها قناعة بإنهاء النزاع الفلسطينى – الإسرائيلى، وإنها جادة فى ذلك نتيجة موقفها العالمى وتأثيرها الإقليمى، وأن المعارضة الفلسطينية للموقف الأمريكى ستفتح جبهة جديدة على الفلسطينيين من الأطراف العربية الرئيسية المؤيدة للموقف الأمريكى، ويرى هؤلاء أن إقناع المنظمات المشاركة فى منظمة التحرير الفلسطينية بالتعامل الإيجابى مع الحل يجب أن يكون هدفا، وألا تتحول قضية تفعيل المنظمة إلى غاية بحد ذاتها.

أما المدرسة الثانية فهى مدرسة يدعو أصحابها إلى التعامل الإيجابى مع عملية السلام إدراكا منهم بقوة وتأثير الدور الأمريكى فى الوصول إلى حل للنزاع الفلسطينى - الإسرائيلى، رغم الانحياز الواضح لإسرائيل، لكن هؤلاء يرون أن هناك خطوطا حمراء لا يجوز تجاوزها فيما يتعلق بإمكان أو استعداد الجانب الفلسطينى للدخول فى المفاوضات مع إسرائيل، ويدعو أصحاب هذه المدرسة إلى استثمار الرفض الفلسطينى (ودور العسكر) لتحسين شروط المشاركة الفلسطينية فى عملية السلام وضرورة الحصول على ضمانات واضحة، مع ضرورة الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية. كما يستند هؤلاء إلى رؤية واقعية يقبلها الشعب الفلسطينى، مفادها أنه لولا (العسكر والمقاومة) لما اعترفت إسرائيل بحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأنه حينما أهملت حركة فتح (عسكريوها) لم تعد ذات تأثير على إسرائيل التى تجاوزت فتح للحوار مع من يضغط عليها عسكريا.

أما عن المدرسة الثالثة فهى مدرسة تقوم على اعتقاد بأن نتائج عملية السلام غير مضمونة، وبالتالى لابد من تطوير سبل النضال الوطنى الفلسطينى السياسية والعسكرية المتوفرة وتصعيد الرفض أمام التحالف الأمريكى – الإسرائيلى وهؤلاء على قناعة بأن أسلوب (الانتفاضة) قد يكون البديل الأنجح فى حال غياب الكفاح المسلح، وتضم هذه المدرسة خليط من الوطنيين والقوميين واليساريين وبعض الإسلاميين الذين يؤمنون بأن المفاوضات مع إسرائيل لم تحقق سوى التنازل وأن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة والتهديد الأمنى. ويستند هؤلاء إلى تجربة لبنان والانسحاب الإسرائيلى منه عام 2000، وبأن تأثير (الرفض النشيط) بدأ يظهر على الشعب الفلسطينى فى الداخل بعد أن تراجع الكفاح المسلح فى الخارج، وهؤلاء لهم دول مقتنعة بأطروحاتهم وتقدم لهم العون والمساعدة واستضافة قياداتهم، وأبرز ما يطرحه هؤلاء هو أن الانسحاب الإسرائيلى من قطاع غزة كان نتيجة للمقاومة وخسائر إسرائيل ولم يكن نتيجة لاتفاقات أوسلو.

المدرسة الأخيرة هى مدرسة المعارضة الإسلامية ويمثلها التيار الإسلامى داخل الأرض المحتلة وخارجها وفى الدول العربية والإسلامية، والجناح العسكرى لهذه المعارضة حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامى والإخوان المسلمون المنتشرون فى جميع أنحاء العالم، وامتدادات هذه المعارضة عربية وإقليمية ودولية، ولديها شبكة من العلاقات والاتصالات التى تؤمن لها السلاح والمال مثل إيران ودول إسلامية وحركات وتنظيمات متعددة، وقد أصبحت هذه المعارضة (عنصر الحسم) فى مسألة التفاوض مع إسرائيل، حيث لم تعد اتفاقيات أوسلو فى وارد الطرفين الإسرائيلى وهؤلاء الذين يخططون للحل من خارج اتفاقات أوسلو والذى يعنى سقوط حركة فتح وتحالفاتها فى السلطة، ويسعى هؤلاء للسيطرة على السلطة ليكون قرار الداخل فى أيديهم، والسيطرة على المنظمة ليشكلوا بذلك (الشريك) القادر على الاستجابة لشروط الحل مع إسرائيل.

لا شك مما ذكر سابقا بأن منظمة التحرير بقيادة فتح بحاجة ماسة إلى إجراء مراجعة شاملة لكل مسيرة العمل الوطنى ولمجمل مسيرة التسوية ولأسلوبها فى حل الخلافات والصراعات الداخلية، خاصة لمواجهة إسرائيل التى نجحت فى خلق حكومتين فلسطينيتين فى الضفة الغربية وقطاع غزة بدل من خلق دولة فلسطينية توحد الشعب الفلسطينى وتمنحه حقوقه. فالمراجعة الشاملة وفق المعطيات من المدارس المختلفة أصبحت ضرورة حتمية لإنقاذ القضية الفلسطينية وشعبها الباسل فى الوقت الذى ما زال المخطط الإسرائيلى يواصل عزله لأجزاء الوطن بعضها عن بعض، وتحويلها إلى كانتونات أربعة كما هو حاصل الآن، الأول فى قطاع غزة، والثانى فى شمال الضفة، والثالث فى وسطها ولرابع فى جنوبها.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة