الشاعرة منال الشيخ: العراق لم يمنحنى الأمان

الخميس، 28 مايو 2009 11:44 م
الشاعرة منال الشيخ: العراق لم يمنحنى الأمان الشاعرة منال الشيخ
حاورها وجدى الكومى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قررت الشاعرة العراقية المقيمة فى النرويج حاليا منال الشيخ، أن تصدر أحدث كتبها "أسفار العزلة – نصوص" عن دار نشر مصرية جديدة هى ملامح، منال لها تحت الطبع مجموعة سرد شعرى بعنوان "قضم ظهيرة مقدّدة" ستصدر قريبا عن دار قدمس للنشر فى سوريا. عن تجربتها الشعرية والتغريبة التى تعيشها، كان لليوم السابع هذا الحوار معها:

لماذا اخترت دار نشر مصرية ليصدر منها كتابك الثالث على الرغم من صدور كتب لك من قبل عن دور نشر جزائرية، وتنتظرين عملا آخر فى سوريا؟
إصدار كتابى فى دار نشر مصرية لم يأت كخيار بقدر ما كان الخيار المتاح وقتها. كما تعلم ويعلم الجميع مدى صعوبة إيجاد ناشر عربى يتبنى نشر كتبنا على نفقة داره واعتماد اسمك دون الأسماء اللامعة التى تعودت معظم الدور على التعامل معها دائما. وبعد عدة محاولات مع دور نشر أخرى فى مصر وغير مصر وجدت موافقة دار ملامح بنشر الكتاب بدون مقابل، وحقيقة فوجئت خاصة أن الكتاب ليس برواية بل نصوص يعتبرها البعض بما يسمونه قصيدة نثر. فوافقت على نشر الكتاب فى مصر على هذا الأساس، بالرغم من سياسة الكثير من الدور بصعوبة نشر الإبداع خارج جنس الرواية وتقاضى معظم الدور أجرا مقابل نشر الدواوين الشعرية مثلا، إلا أنّنى لا أحبذ نشر الكتاب مقابل أجر يدفعه الكاتب لدار النشر، المفروض - مهما كان جنس الكتاب- يجب أن يجرى العكس، ودار النشر هى التى تدفع للكاتب لأن هذا جزءا من جهد بذله فى إتمام مشروع يفترض أن يحترم على الأقل بصيغة جيدة من التعامل، ولكنى فى المقابل لا ألوم الشعراء والكتاب ممن يدفعون لقاء نشر كتبهم فنحن مرغمون على ذلك كى ترى أعمالنا النور.

على غلاف " أسفار العزلة " كتبت كلمة "نصوص" ما معنى هذا التصنيف؟
هكذا اخترت وهكذا فضلت، لأنها فعلا نصوص لا تنتمى لجنس أدبى معين. وربما أجد فى ذلك أنّه ليس من الصواب تحديد الجنس طالما لم أتوصل إلى تسمية ملائمة لهذه النصوص، وأترك للآخر أن يستكشف ويطبق ما هو ملائم لحظة القراءة. فهو ليس شعرا كما ترى وليس بقصة وليس بسرد من أى نوع آخر.. ويبقى هذا السؤال معلقا ما هو إذن؟ وإلى ذلك الحين لم أجد أنسب من تسمية "نصوص" لمحتويات الكتاب والباقى هو مسئولية النقد الذى أراه ضعيفا حتى الآن فى تتبع جاد لما ينشر.

لماذا اخترت أن تكتبى قصيدة النثر، وهل تلبى احتياجات جديدة للشعر لا تلبيها القصيدة العمودية أو التفعيلة؟
الكتابة بشكلها العام لم تكن يوما من الأيام خيارا لنا، نجدنا نكتب ولا نسأل ولا نختار. وكذا الجنس الذى نكتبه.. لم أسأل نفسى يوما هل أنا أكتب قصيدة نثر أم ماذا؟ فهذه ليست مهمتى بوصفى كاتبة إبداع، لأنه ما زال هناك جدل واسع على التسمية نفسها فلا أستطيع أن أقول لك أنّنى اخترت كتابة قصيدة النثر. أجدنى أكتب النص ويخرج كما هو، وليد معوق أحيانا ومعافى ربما ولكن بدون تسميات، كما يقول مارلون براندو فى فلمه" التانجو الأخير فى باريس": هنا، نحن لسنا بحاجة إلى اسماء.. فقط أنتِ وأنا. وهكذا أتعامل مع نصى فأنا لست بحاجة إلى تسميات تحدد وليدى لحظتها، أنا وهو فقط وإن شاء الآخرون تسميتنا فليكن.

أما جوابى على الشطر الثانى من سؤالك فأقول بأنّ الشعر لا يلبى حاجة شيء بقدر ما يحرك فينا ذلك الكائن الآخر القابع فى ظلمة ما ولا نراه إلّا أحيانا عندما نشتاق لذواتنا. ويمكن أن تجد الشعر فى ذروته فى الأجناس الأخرى من الكتابة، فالشعر لا يحدده شكل ولا وزن ولا قافية، وأظن أن هذا الجدل العقيم الدائر حول شرعية الشعر وتحديده بالشكل لن يستمر طويلا إذ أننا نرى بوادر كثيرة على اضمحلاله، رغم أن البعض ما زال مصرا على تحديد الشعر بالشكل والوزن والقافية، ولكن هذا لن يدوم طويلا. قدر تعلق الأمر بى لا التفت كثيرا لهذه المسألة.. أكتب وكفى.

ماذا قدمت الغربة لمنال الشيخ؟ العزلة أم الافتقاد للوطن أم كليهما معا؟
دائما أقول أن الغربة ليست المعنى الحرفى للابتعاد عن (الوطن)، أنا فى بلدى كنت أكثر غربة. البلد الذى لا يعطيك الحضن الآمن ليس بوطن، والبلد الذى لا يعطيك تلك الحميمية التى نبحث عنها ليس بوطن، والبلد الذى يرهقك ويثقل كاهلك بكل أنواع الفقد ليس بوطن، مصطلح (الوطن) فهمناه كمصطلح تقليدى تعلمناه من المناهج الجاهزة والأناشيد القومية وأفضل أن اسميه "بلدى العراق" بدلا من "الوطن" لأن الوطن يحمل بعدا أكبر من مجرد بقعة أرض ولدتُ فيها وعشتُ فيها. والعزلة تعودنا عليها مذ ولدنا أغرابا بين ذوينا أنفسهم فكيف فى بلاد غريبة عنك تماما مثل النرويج، افتقد أهلى بالطبع، وهم جزء من معنى الوطن عندى وليسوا جزءا من البلد، ولكنى الآن أنعم بذكرياتى الجميلة دون المأساوية منها، ولى فرصة أكبر أن أرى بلدى أجمل من بعيد. وربما هذا الاعتراف سيثير على بعض المتشدقين بالشعارات الرنانة التى أكلت الأخضر واليابس فى بلدى، ولكن هذه هى الحقيقة.

لماذا كتبت نصوص الديوان على شكل أسفار؟ وما دلالة الستة عشر سفرا؟
بدأت كتابة هذا الكتاب متنقلة بين الموصل مدينتى فى العراق والشام، وتمثل مرحلة عزلة تامة عن الآخر، وعندما كنت أكتب لم أكن أريد أن أكتب نصا طويلا عن الحالة إذ هناك تقاطعات بين النصوص فى التيمة والفكرة، ولكنها متصلة ببعضها بمنبع البدء نفسه. تقسيم الكتاب جاء احتياجا ضروريا لإعطاء الكتاب سمته الخاصة وما للأسفار من بعد ميتافيزيقى فى تفسير أفكارنا لحظة الكتابة. ولم أخطط كى تكون ستة عشر سفرا، وإنما اكتفيت بهذا القدر حتى وجدت بعض النصوص لا أستطيع إعطائها تسلسلا بين هذه الأسفار فارتأيت أن أعطيها تسميات فرعية ولكنها تبقى مرتبطة بنسق وتواتر الأسفار مثل "سفر الأسماء" و"سفر خارج الكرب" وغيرها.

ذكرت أسماء بعض الملوك الذين حكموا بابل فى فترات تاريخية قديمة مثل سنحاريب ونبوخذ نصر، لكن جاء ذكرهم مع السامرى فماذا قصدت بالربط بينهما؟
لو راجعنا التاريخ، ولست أنا من يربط بين هذه الأسماء التى ما زالت تثير الجدل إلى يومنا هذا، لوجدنا رابطا قويا بين نبوخذ نصر الذى حكم بابل وسنحاريب ملك أشور والسامرى القادم من أرض فلسطين، حيث غزا الآشوريون أورشليم وحاصروها فى محاولة للاستيلاء عليها، ولكن بحسب الرقم الطينية التى وجدت وبالرغم من أن سنحاريب كان مقاتلا عتيدا فهو لم يستطع أن يستولى على أورشليم. استخدامى هنا للسامرى كصفة جينية وليس كحضور شخصية جدلية ما زال بعض المفسرين والمؤرخين فى حيرة من أمرها، إذ َّأن شخصية النص "ألبير" هو ابن تلك السلالات كلها بابل وآشور وسامر. ومن يعش فى مدينة مثل نينوى وما زالت جدران تلك الممالك قائمة وسط شوارعها إلى يومنا هذا فبدون أدنى شك أن كل هذا يحضر فى نص الكاتب سواء شاء أم أبى. فالرابط بينهم يأتى فى سياق ذلك الإرث الذى لم نشفَ منه بعد وما زال مسيطرا على بعض من مقدراتنا إلى الآن.

تشيرين فى "مقاليد سفر مجهول" إلى أن الله يريد أن نغفل عن أفعالنا حتى لا تحس الملائكة بضعفها" هل تقصدين إثارة نقاط وجودية بهذا النص؟
عندما أكتب لا أقصد شيئا، والنقاط الوجودية مثارة أصلا. ما أعرفه أنّنا أبناء الأسئلة المعلقة. ولا أظننا نبحث عن الأجوبة بقدر ما نريد أن نعيش جنبات تلك الأسئلة التى هى أساس ديمومتنا ووجودنا الأنسانى. أنا موجودة والآخر موجود، فإن لم يكن من حقنا الخيار فى العيش كما يجب فمن المؤكد من حقنا أن نطرح الأسئلة حتى لو لم نجد الجواب، وهذه هى طبيعة الأسئلة الفلسفية التى تنطلق من الذات وترتد إلى الذات لذلك سميت بالأسئلة الخالدة، خلودها فى أن لا أحد يقدم لها جوابا دامغا، وبالوصول إلى الحل سينتهى فعل الحياة. هناك نقاط تستوقفنى فى الوجود البشرى لا أستطيع أن أقف ملجمة اللسان تجاهها، فينا روح تحس وتقدر وتتذوق، ومن حق الجسد أن يفهم معنى الروح ومن حق الروح أن تفهم معنى الجسد.

وفى أحيان كثيرة لا أستطيع تقبل التفسيرات الجاهزة التى تعودنا عليها وتلك القصص الجميلة بل المبهرة عن كينونة الحياة ونشأتها، وهنا أشهد بعبقرية الإنسان القديم الذى يبدو أنه كان يعيش فى ومن أجل هذه الأسئلة الوجودية أكثر مما نفعل نحن، لأنه صاغ لها أجوبة نقتات منها إلى يومنا هذا. وليس على وليس عليك قبول هذه التفسيرات ولكنه لا ضير أن نطلع عليها وبالمقابل نبحث عن أسئلتنا التى تخصنا أيضا.

منال الشيخ فى سطور
شاعرة عراقية تقيم فى النرويج وتعمل صحفية حرة فى عدة صحف عراقية وعربية ومحررة فى مجلة "شعريات" الفصلية الليبية التى توقفت مؤخرا لأسباب مالية.

أصدرت مجموعة سردية على حسابها الخاص بعنوان "انحراف التوابيت" عام 1996 ضمن سلسلة نون التى كان اتحاد أدباء نينوى يصدرها.

لها إسهامات عديدة فى ملتقيات ومهرجانات داخل العراق أهمها مهرجان المربد وملتقى القصة العراقى فى بغداد.

فى عام 2007 شاركت مع عدد من الشعراء والأدباء العرب فى التظاهرة الأدبية التى أقيمت بالجزائر ضمن فعاليات الجزائر عاصمة ثقافية بعنوان "إقامات إبداعية" لكتابة نص مشترك مع المشاركين صدر فى كتاب بعد الملتقى.

أنجزت أنطولوجيا للشعر الحديث فى العراق فى جزأين وصدر بالجزائر ضمن فعاليات الجزائر العاصمة الثقافية بعنوان "أمراء الرؤى" تحت إشراف البيت الثقافى فى الجزائر.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة