الورقة لا تزال أمامى بيضاء ناصعة، أهرش فى رأسى استحث الكلمات على الخروج.. السبابة والبنصر يقبضان على القلم، ولكنه فى حالة من الشلل المؤقت، بعد رحلة من العذاب تولد الكلمة.. أكتبها.. أعود مرة أخرى لأشطبها، حيث ولدت مشوهة لم يكتمل بعد نموها فى رحم العقل، حقا الكلمة التى ننطقها أسهل بكثير من تلك التى نكتبها (مستند).
إذاً مهم جدا فى الزواج الورقة هذه، فلو كان الزواج كلمة ننطقها لسادت ظاهرة الاستهبال بين كثير من الرجال، حيث يقول الرجل فى الصباحية لزوجته: (معقول أنا قلت لك زوجينى نفسك! إزاى؟ أكيد معرفتش أعبر ساعتها ! أنا ما كنتش أقصد كده خالص.. أنا كنت بأقول تعالى نتفسح.. أكيد أنتى سمعتينى غلط).
لذا أصبح لدينا عقدة من الكلمة خاصة وأن هؤلاء الذين يعطونا كلمة لا يلتزمون بها غالبا. بيد أن المرأة استطاعت عبر العصور أن تروج تلك الإشاعة "الرجل كلمة" حتى تلزمه بعدم التراجع عن أى كلمة يقولها.. فى الوقت الذى أعفت نفسها من هذا الالتزام حتى يتيسر لها أن تخلص منه إذا توفر لها البديل الأفضل.
قالت شوشو لخطيبها وهى تخلع الدبلة وتعطيها له فى هدوء: أنا آسفة يا سامح أنا حاسة أننا مش هنقدر نكمل مع بعض لأنى حاسة إنك زى أخويا، لم يكن سامح يعلم أنه بقى زى أخوها لأن تامر بانتظارها بالخارج فى سيارته البى إم، ولم تكن شوشو بالتأكد تشعر أن تامر بالنسبة لها زى أخوها فلا يجتمع الشعور بالأخوة والبى إم فى وقت واحد.. ولا أحد يلوم شوشو فالمرأة ليس لها كلمة.. أما لو كان سامح قد فعل ذلك لأصبح من وجهة نظر الجميع نذلا وليس له كلمة.. إن هذا الوضع يقودنا إلى التفكير بأنه سوف يأتى علينا وقت نتعامل فيه بالورقة والقلم فى كل شىء وذلك عندما تموت الكلمة.. فإذا قالت لك حبيبتك: بحبك وبموت فيك.. لا تصدقها حتى تثبت لك ذلك عمليا وتموت بالفعل.. فإذا ماتت ونفذت وعدها تزوجها فورا على ضمانتى.
والكلمة كالثوب الذى نرتديه فيه اختيار وذوق.. والناس فى ارتداء الكلام أصناف، ولكن المرأة تتميز عن الرجل بقدرتها على إخفاء عيوبها الكلامية كما تخفى عيوبها الجسمانية.. ولذلك أنعم الله على المرأة دون سائر الكائنات بصوتين: صوت لفترة الخطوبة.. ناعم خلاب.. أحلى ألو تسمعها فى حياتك.. صوت ينافس صوت نجاة وأنغام، أما الصوت الثانى (بعيدا عن السامعين) صوت ما بعد الزواج.. لا تعرف الباب بيزيق ولا تعرف ماكينة فيشار شغالة فى البيت.
والمرأة أكثر من الرجل قدرة على الخداع بالكلام.. فقد تقنعك امرأة من المدبح أنها ولدت فى نادى الجزيرة، حيث التقى الوالد مع الوالدة فى نادى الصيد.. ده عليك أنت يا غلبان.. إنما نفس الكلام لو قالته لواحدة تانية.. تجيبها من شعرها الأرض.. خلقهن ضيق مع بعض قوى.
نهاية.. إذا كنا نقف ساعة أمام عربة الخضار لننتقى كيلو بطاطا، فلماذا لا نعامل الكلمة معاملة البطاطا؟ على الأقل لن يطلعنا واحد من مجمع اللغة العربية يهب فينا قائلا: ما فيش نقاوة يا بابا!!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة