نحفظه عن ظهر قلب، نصر على أن نحفظه، ونكرره ولا نمل.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"، يحفظونه هناك فى الريف، ويردده خطباء المساجد دائما، والرجال فى مساجدهم، وفى جلساتهم الخاصة والعامة ويذكرون به نساءهم دائما، وبناتهم وأبناءهم، يعتبرونه دليلا على رجولتهم المهدرة، وهنا فى القاهرة يحفظون نصفه الأخير فقط من شدة إيمانهم بالحديث.
أتخيلها هناك.. تسجد لزوجها، هو يضربها فتسجد له، يهينها فتسجد له، يسفه آراءها فتسجد له، يطردها على منزل أبيها فتسجد له، ويطلقها فتسجد له.. الرجال يتخيلون هذه الصورة ويرغبون فيها بشدة، ويكرهون "لو" هذه بنت الشيطان الماكرة المعطلة اللعينة التى تمنع الخير ومراد النفس البشرية الحقة لدى الرجل.
مع أول خلاف بين الرجل وزوجته نحتكم، ونسأل أول ما نسأل شيوخنا الأعزاء الأفاضل الذين تربوا فى مدرسة النفط، وفى مدرسة الذكورة، لا يستمعون إلى طرفى الحديث، وإنما يصرخون: يا ست اتقى الله، ولا يكلفون أنفسهم للاستماع إلى منطقها وحجتها مبررين ذلك فى داخلهم بأن صوت المرأة عورة ورؤيتها عورة ولباسها عورة، يقولون لها اتقى الله، اتقى الله، وتكتم المرأة، ويظهر الأثر فيما بعد، فى البناء، فى ثمار هذه العلاقة غير السليمة ولا تتفق مع منطق الدين.
نتزوجها، ونكرر لها وصايانا اليومية، وعندما نزهق منها، نغيرها، بحجة الشرع الذى يبيح الزواج من أربع، نغيرها كقطعة غيار سيارات، نؤكد استدلالنا بالشارع وبالله مع أنه سبحانه وتعالى لم يظلم ولم يبخس أحدا حقه.
أنظر إلى المفارقة المؤسفة، هناك فى الصعيد، فى الريف، بالتحديد هنا فى القاهرة، لا يحق للمرأة أن تطالب بميراثها، إلا من رحم ربى طبعا، نتذكر فقط أنها ينبغى أن تسجد للرجل، ولا نتذكر ميراثها الشرعى، فإذا طالبت به فهى آبقة، نسمح لها بالعمل لتصرف على المنزل، وإذا رفضت ذلك بحجة أن الشرع يقول أن لها ذمتها المالية الخاصة، نتحجج بالدين مرة أخرى ونقول الله يحرم عمل المرأة، نتحدث دائما عن أن الرجال قوامون على النساء، وننسى باقى نص الآية "بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا".
نأخذ من الدين فقط ما يخدم أغراضنا ومردانا الشخصى، ونأخذ من خلاف الفقهى ما يخدمنا وما تميل أهواؤنا إليه لا ما نقتنع به، نحرم عمل المرأة بسبب شيوخ النفط، ونرغب فى الزواج من امرأة تعمل لتساعدنا فى مصاريف الحياة، ونتغاضى عن اقتناعنا الدينى بغض النظر عن صحته وخطأه، وعندما ترفض لأن لها ذمتها المالية الخاصة كما أخبرنا الدين نفسه الذى نستدل به، تنتهى العلاقة أو تتبدل وتتغير، الأصح الرجال ينهون العلاقة لأن الفعل بمقياس الدين والشرع مخالف لأهوائهم ورغباتهم الشخصية..أى منطق به يتحدثون.
لا يرغب الرجل أن تكون العلاقة إنسانية، نرغب فى علاقة بين رئيس ومرؤوس، سيد وتابع، رجل وامرأة، ولا نأخذ من الدين إلا ما يوافقنا، الرسول صلى الله عليه وسلم يختلف مع عائشة فينادى أبو بكر الصديق ليحكم بينهما، وعمر ابن الخطاب ترفع زوجه أم كلثوم بنت على بن أبى طالب صوتها عليه فيصبر، لكننا ننظر إلى المرأة بطريقة مختلفة، نريد أن نحبسها فى زجاجة مغلقة على طريقة "افعل ما تؤمر" و"طاعة الزوجة من طاعة الله"، مع أن الزوج غالبا لا يطيع الله فى زوجته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة