محمد حمدى

إعلام أحمر.. وأصفر!

الثلاثاء، 26 مايو 2009 01:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هدف أى وسيلة إعلامية هو كشف الحقيقة والعمل على نشر المعرفة والتنوير بين الناس، لكن هذه الأهداف تراجعت كثيرا ليحل محلها أهداف أخرى أهمها الاستحواذ على أكبر قدر من المشاهدين أو القراء حتى ولو كان على حساب المحتوى، ومدى تأثيره على الناس، فاختفت القواعد المهنية والأهداف السامية ليحل محلها التفاهة والتحريض والإباحية وانتهاك حقوق الناس.

ولم يعد إعلام الفتنة مقتصرا على قنوات دينية مسيحية وإسلامية متشددة، ولا على قنوات غنائية تثير الغرائز، أو سياسية وإخبارية تنفذ أجندات أجنبية أو إقليمية، وإنما وصل الأمر إلى القنوات الرياضية التى لا يقل دورها فى الفتنة بين الناس عن باقى أخواتها.

أمس شاهدت على قناة "مودرن سبورت2" برنامجا رياضيا اسمه "إسمعلاوى"، لا أعرف من ضيوفه غير اللاعب السابق محمد صلاح أبو جريشة الذى بدا وكأنه الوحيد المتمسك بالعقل فى حلقة تليفزيونية سيطر عليها الجنون والتطرف من اللحظة الأولى حتى نهاية البرنامج.

وبدا من خلال الشاشة أن كل الحاضرين لا هم لهم سوى القول إن فوز الأهلى فى المباراة الفاصلة على لقب الدورى العام على الإسماعيلى، كان بسبب مؤامرة أعدها اتحاد الكرة ولجنة الحكام حتى يفوز الأهلى بالمباراة بغض النظر عن مجرياتها.

واستضاف البرنامج حكما سابقا، ظل يتهم تلميحا وتصريحا رئيس لجنة الحكام محمد حسام بإحضار حكم مغمور من أسبانيا ومنحه تعليمات بضرورة فوز الأهلى وهزيمة الإسماعيلى، وحين انتقلت الكاميرا إلى الشارع جاءت تعليقات أبناء الإسماعيلية مليئة بالإحباط والشعور بالظلم بسبب المؤامرة التى تعرض لها فريقهم!.

ولا اعتراض لدى أو لدى أى شخص على البرامج التحليلية لمباريات كرة القدم، فهذا أمر معمول به فى العالم كله، لكن هذا التحليل يخضع لقواعد فنية وأخلاقية صارمة، تقصر التحليل على الأمور الفنية، ومستوى اللاعبين، وخطط المدربين، وتقييم الحكام، لكنها لا تتركز بأى حال من الأحوال على إلقاء الاتهامات وإشاعة أجواء الفتنة.

الحكم سواء كان مصريا أو إسبانيا هو بشر يأخذ قراره فى جزء من الثانية، يحتمل الخطأ، بنفس القدر التى تحتمل الصواب، لكن فى كل الأحوال يخضع الأمر لاجتهاد الحكم ولا مكان لنظرية المؤامرة، وقد رأينا قبل أسبوعين كيف احتج لاعب تشيلسى الإنجليزى ديديه دروجبا على حكم مباراته مع برشلونة الإسبانى، لأن الحكم لم يحتسب ركلة جزاء صحيحة لفريقه، فخرج من الدور قبل النهائى لدورى الأبطال الأوروبى، وقامت الدنيا ولم تقعد وتقدم تشيلسى باعتذار رسمى للحكم وللجماهير الأوروبية.

وهنا تكمن المفارقة، بين إعلام يعلم دوره فى الحياة سواء كان الأمر يتعلق بالسياسة أو الرياضة أو أى مجال آخر، وبين إعلام ينطبق عليه المثل الشعبى "هبلة ومسكوها طبلة"، وهذا ما يحدث عندنا ونبرع فيه فى إعلامنا، ليس مهما ما سيؤدى إليه، ولا تأثير حالة الإحباط التى يسببها، ولا تكريس الشعور بالظلم الذى يؤدى تلقائيا إلى فقد الانتماء.

أعلم أننا عانينا كثيرا من إعلام اللون الواحد، وحكم الحزب الواحد، وسيادة الرأى الواحد، حتى أن الحياة أصبح لونها واحدا، لكن آن الآوان، لندرك المتغيرات ونتعامل معها باحترافية ومسئولية، وأن يدرك جميع الإعلاميين من زملائنا أننا بمثل هذه التصرفات لا نساهم فقط فى تدمير المجتمع الذى نعيش فيه، وإنما نعطى الذريعة لكل أعداء الحرية للانقضاض عليها تحت دعوى عدم المسئولية.

صحيح أننى أركز على حالة رياضية بحتة، لكن الانفلات الإعلامى لا يقتصر على الرياضة وإنما امتد لكل أشكال وألوان الإعلام المصرى والعربى، بحيث تحول إعلامنا إلى عدو حقيقى للثقافة والتنوير، يتغذى على الشائعات، ويدمن التحريض، ويألب الناس على بعضها بسبب الدين والجنس وحتى الانتماء الرياضى.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة