تحدثت ما فيه الكفاية، عن ظلم ذوى القربى! ومظاهر الفساد الإبداعى، وانتشار موضة الهرولة نحو المنصات الفارغة! ثم تطرقت لموضوع - حصار الحساسية الجديدة – من مبدعين وشعراء وقصاصين ومسرحيين.. وبروز منطق القبيلة فى تدبير الشأن الثقافى ببلادنا، ومرورا بمخاض الكتابة وانبلاج اللحظة الحاسمة لانكتاب النص، وكذا التزام المبدع بقضايا عادلة، لأخلص لأهمية تفعيل أخلاقيات السلوك الإبداعى فى ساحتنا الأدبية، والإقلاع عن كل ما من شأنه أن يفسد النهضة الفكرية والأدبية بالمغرب.
وأحببت كذلك أن أحدثكم هذه المرة عن – هوايتى المفظلة – التى لا يعرفها الكثيرون من أصدقائى القراء، إنها ببساطة: هواية صعود الجبال – هكذا سألنى أحدهم يوماً بإحدى أمسياتى الشعرية، ومازلت أتذكر كيف صعق المسكين، وانفجر بعدها ضاحكا ملء شدقيه وهو يسمع جوابى المفحم هل فعلا ما تقوله صحيح؟!! هوايتك الأثيرة لديك، هى هواية تسلق الجبال؟!! وبابتسامة واثقة مشرقة، أجبته: نعم يا صديقى كما ترانى الآن وأراك، هوايتى صعود أعالى الجبال!!.
ربما مسيرتى الأدبية (16سنة) كانت وما زالت شاقة، صعبة، ومهما حاولت أن أقربكم لمدى المعاناة والمكابدة الإبداعية التى أعايشها بهذا الحيز من الجغرافيا غير المتجانس بتاتاً مع عالم الإبداع، فلن أستطيع أن أضعكم تماماً فى قلب الصورة. وربما قدرى، كان ملهمى، فكانت هوايتى الغريبة – تسلق الجبال – لأستعين بها فى مقاومة أحلك الظروف!، وكما يلاحظ الجميع أن ركوب مغامرة التسلق، ليس بالأمر الهين! بل يحتاج إلى قوة العزيمة، وعدم الرضوخ لأى طارئ مهما كان. وكيفما كانت العقبات أشد وعورة ومستحيلة. "ففى تسلق الجبال لابد وأن ترحب بك! نتوءات بالجملة, ارتفاعات شاهقة لا ترحم الضعفاء، والجبناء من المبدعين! وحافات تفضى مباشرة إلى سحيق المتاهات التى لا ترجع أحداً, وقوة الرياح الجبارة وهى تعزف لحن الجبروت، وروعة التحمل الإنسانى، هو اختبار حقيقى للذات المبدعة بالأخص، ودرس رائع لقوة هذا الكائن المسمى "المبدع". فبدون هذه الروح الخلاقة والصامدة التى كانت دوما ملهمتى فى رحلتى السزيفية! نحو تخوم الكتابة والحياة.
هوايتى هذه! تمنحك فرصة لاستكشاف جمال الكون والعالم من فوق!! أن تكون قاب قوسين أو أدنى من النجوم, من الشمس, فيثيرك سيل من السحر المتلاحق وأنت تصعد أعلى أعلى، وحيداً متوحداً بهذا الفضاء الشامخ والرحب، هذه التجربة الروحية لا يحضى بها إلا النادرون فى إصرارهم اللامحدود، وقوة أرواحهم الجميلة والمحلقة دوماً!.
تماماً كالتوغل فى متاهات النص، ومجاهل الكتابة عموما، تركب المعانى، تستشرف آفاق ما بعد المعنى والمبنى، ويتسلق خيالك شتى صنوف الصور، وعوالم التجريب الذى يطيح بكل شىء. باختصار هو امتحان شاق لروح المبدع والكاتب على الصمود فى مواجهة أكثر من زوبعة تضرب وبقوة صروح العقل والمنطق وأصناف الحقيقة وكل ما هو مألوف. وتتواصل مغامرة الصعود نحو نهايات تكاد لا تنتهى، فأفق النص، وما يحبل به من مفاجآت، يجعلنا فوق أرض ملغومة دوماً، وفوق مساحات متحركة، لا نكاد نلمس تفاصيل وجغرافية إقامتنا بهذه التخوم الهلامية. وحدها اللذة واقتناص نشوة الروح فى جنونها الجميل هذا، والمحفوف بشتى المخاطر، أن تبدع وتبدع وتبدع فقط.
هكذا أصدقائى يتبين لكم بعض فضائل – هواية تسلق الجبال - بالنسبة لى!!. فمهما كانت العوائق قاسية، والحصارات مريعة، وكما ترونى مازلت أبتسم وبشموخ، أقاتل بطريقتى الخاصة، وما زلت إلى الآن مدمنا على هذه الغواية وسأبقى!!.
وكى لا أنسى: كل مبدع لا يملك مشروع رؤيا، وقلباً جميلاً، وفائضاً من الشغب والتمرد فى كريات دمه البيضاء فى مواجهة العالم، لا أنصحه بتاتاً باقتراف هذه الهواية المحفوفة بالمخاطر، والتى قد تؤدى به إلى حتفه المبكر!
* كاتب مغربى ساخر
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة