سحر الجعارة

"الذاكرة وحبوب الشجاعة"

السبت، 23 مايو 2009 01:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
للحقيقة أكثر من وجه، كل منا يراها من زاويته الشخصية، وهى زاوية نظر تنحاز إلى انتصاراتنا وانكساراتنا!! لم يفلت واحد ممن كتبوا سيرتهم الشخصية من الوقوع فى فخ "الأنا"، ولم ينجح أى منهم فى فك الملفات المختومة بالشمع الأحمر.

"السيرة الذاتية" هى الجزء الظاهر من جبل الجليد المسكون بأسرار الدولة، تلك الأسرار التى تدفن مع صاحبها مهما كانت درجة شجاعته، أو زهده فى رضا النظام!!

لم يجب أى مسئول غادر منصبه عن سؤال الشارع: "لماذا أبعدوه؟"، إنه السؤال الذى يجتهد المواطن فى وضع إجاباته: "أصله نظيف، علشان بيفهم، لأ ده اختلف مع فلان!!".

حدث هذا بعد مغادرة المحجوب والجويلى لموقعيهما.. تفسيرات الشارع تجسد فكرة العداء بين النظام والشعب.. باعتبار أن النظام لا يرضى أبداً عمن يعمل لصالح الناس، كانت هذه تجربة ممتعة فى العمل الإعلامى حين حاورت العديد من الشخصيات التى غادرت السلطة فى برنامج "أين هم الآن؟"، الذى أعده الكاتبان أسامة سلامة وحمدى رزق وعرض على قناة ART، البرنامج الذى اعتبرناه وثيقة تاريخية مر بمفارقة مثيرة للعجب خلال التسجيل مع الوزير الأسبق حسب الله الكفراوى وأخذ يضغط على جميع الأطراف لمنع عرض الحلقة.. مازلت احتفظ بنسخة العمل ربما يأتى يوم تصلح فيه للنشر!!

الأغرب من ذلك أن الكفراوى نفسه ارتدى ثوب المناضل فيما بعد وأخذ يهاجم النظام بضراوة وأصبح عضواً نشطاً فى التجمع الوطنى من أجل الديمقراطية، وللآن لم أفهم كيف تتبدل مواقفه بتلك السرعة، "هل يملك من حبوب الشجاعة ما يكفى لأن يردد أمام أعضاء التجمع ما قاله فى الحلقة التى منع عرضها؟، هذه التساؤلات تداعت أمامى حين قرأت على موقع اليوم السابع أن الدكتور ممدوح البلتاجى يعتزم نشر مذكراته تحت عنوان "الذاكرة والرؤية" ولقد سمحت لى مهنتى أن اقترب من هذا الرجل جيداً فى فترة عمله بوزارتى السياحة والإعلام، أذكر أنه قال لى فى آخر لقاء بمكتبه بوزارة الإعلام أنا أصلاً وكيل نيابة.. وتحدث بعدها خلال مؤتمر صحفى موسع عن الفساد والمحسوبية داخل ماسبيرو.. أليس هذا كافياً لخروجه من الوزارة؟.

فى فضفضة أقرب للحوار قال البلتاجى للزميل سعيد الشحات، إنه سيتحدث كطرف وشاهد ومراقب ويجرد بعض المواقف السياسية ليردها إلى البعد الفكرى والحضارى والفلسفى الذى يحكمها، ففى قضية الديمقراطية يرى كيف أن الشعب المصرى يفضل الاتجاه والتمحور حول زعامة فردية معينة ويكفى أن هذا يرتب أضراراً تعوق المسار الديمقراطى.. هل وجد البلتاجى فى تجريد المواقف السياسية وعملية التنظير ملاذاً آمناً عن الدخول فى عش الدبابير؟ ربما.

لكن المؤكد أنه بحكم تواجده داخل المطبخ السياسى طويلاً يملك حقائق وأحداثاً أهم من مجرد رؤية المراقب!! البلتاجى ولد مجازاً فى المطبع السياسى 11 عاماً رئيساً لهيئة السياحة وعاماً وزيراً للإعلام وعاماً للشباب والرياضة، ناهيك عن وجوده ضمن قيادات الحزب الحاكم، الدكتور البلتاجى كما أعرفه جيداً لا تنقصه الشجاعة، بل على العكس كان صريحاً أكثر من اللازم إما إيماناً منه بالتغيير أو فى لحظة غرور مشروع!!

وبرغم مهامه الكثيرة لم يترك نهمه للقراءة ومتابعة ما يحدث حوله محلياً ودولياً، كانت لديه رؤية خلاقة ورغبة فى الابتكار وعشق صادق لتراب الوطن وإيمان لا ينزعج بالوحدة الوطنية، والأهم من ذلك كله أنه جعل القطاع الخاص رفاً فى حل مشكلات قطاع السياحة وتنميته، ظل البلتاجى لآخر لحظة ودوداً ومستمعاً جيداً.

وتلك شهادة لا تحمل شبهة النفاق أو المبالغة، وبالتالى فإن مقولة "سماء النجم الواحد مظلمة" المنسوبة إليه ليست دقيقة إلى حد ما، لقد كان الدكتور البلتاجى عاشقاً للأضواء وصانعاً محترفاً لنجوميته رغم تواضعه.

أذكر أن المرة الوحيدة التى التقيت فيها بأمين لجنة السياسات بالحزب الوطنى جمال مبارك كانت فى آخر استفتاء على رئاسة الجمهورية حين اجتمع رجال السياحة مع جمعية المستقبل لتوظيف نفقات تأييد الرئيس فى قضايا تنموية تحتاجها البلد! هكذا كانت تتحول الرؤية إلى واقع.

ليس مطلوباً من "قاضٍ" إلا أن يكون منصفاً فى توثيق شهادته على العصر وهذه مهمة تبدو مستحيلة! ولا ننتظر من الدكتور البلتاجى مذكرات تسجل بطولاته، مثل تصديه لبيع أراضى سيناء لقطريين كانوا واجهة لإسرائيل.. ولا تفتح صفحات تبرير مسئوليته فى فوضى توزيع الأراضى على رجال الأعمال!.

انتظر من الدكتور ممدوح البلتاجى شهادة تشبهه بنفس درجة الصدق والصراحة وأسراراً تفك ألغاز الساسة المتضاربة والمتناقضة فى البلد.

انتظر تحليلاً سياسياً مدعماً بالوثائق ومعرفة أشمل وأعمق مما نعرفه عن المطبخ السياسى.. وأتمنى أن يفعل.

* نقلا عن جريدة الفجر العدد 204

السادات ومبارك والأقباط والإخوان فى مذكرات الوزير السابق ممدوح البلتاجى





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة